» سُورَةُ الفَاتِحَةِ - Fâtiha Suresi - Al-Fatihah ( The Opening ) »   » 1 » 









(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ )
[سُورَةُ الفَاتِحَةِ: 1]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ١ )

[ 647.6 KB ]



التَّفْسِيرُ المُيَسَّرُ:
Arabic: تفسير المیسر; [King Fahad Quran Complex]

عربى - التفسير الميسر : سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة؛ لأنه يفتتح بها القرآن العظيم، وتسمى المثاني؛ لأنها تقرأ في كل ركعة، ولها أسماء أخر. أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به، (اللهِ) علم على الرب -تبارك وتعالى- المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه. (الرَّحْمَنِ) ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق، (الرَّحِيمِ) بالمؤمنين، وهما اسمان من أسمائه تعالى، يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى كما يليق بجلاله.

[ 1.1 MB ]


الْقُرْآنُ تَدَبُّرٌ وَعَمَلٌ
[ 1.2 MB ]


الْمُخْتَصَرُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
[ 691.9 KB ] : ملوّن



[ 970.4 KB ] : أبيض وأسود


السعدى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

{ بِسْمِ اللَّهِ } أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى, لأن لفظ { اسم } مفرد مضاف, فيعم جميع الأسماء [الحسنى]. { اللَّهِ } هو المألوه المعبود, المستحق لإفراده بالعبادة, لما اتصف به من صفات الألوهية وهي صفات الكمال. { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم نصيب منها. واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها, الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات. فيؤمنون مثلا, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء.


الوسيط لطنطاوي : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.

وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.

ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:

أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟

للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.

وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.

قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .

ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.

وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .

ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:

1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.

وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..

ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.

2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.

قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .

3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .

4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .

7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.

8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.

9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .

هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.

رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:

ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:

كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.

فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.

ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .

وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:

بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:

هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .

وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.

قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .

وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .

تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.

وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .

ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.

قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.

وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.

وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:

يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .

والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:

رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.

قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .

قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-:

{ بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ }

الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.

وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".

ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.

ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.

قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -

و { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.

والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.

وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن { ٱلرَّحْمـٰنِ } هو المنعم على جميع الخلق. وأن { ٱلرَّحِيمِ } هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن { ٱلرَّحْمـٰنِ } هو المنعم بجلائل النعم، وأن { ٱلرَّحِيمِ } هو المنعم بدقائقها.

ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.

أو أن { ٱلرَّحْمـٰنِ } صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و { ٱلرَّحِيمِ } صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.

ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-:

{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } و

{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ }

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ }

وهكذا...

أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى -

{ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً }

{ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

إلخ.

قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".

والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.

والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.

هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى -

{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }

ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.

فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.

وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.

ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.

وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.

وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.


البغوى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

( بسم الله الرحمن الرحيم ) بسم الله الباء أداة تخفض ما بعدها مثل من وعن والمتعلق به الباء محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره أبدأ بسم الله أو قل بسم الله . وأسقطت الألف من الاسم طلبا للخفة وكثرة استعمالها وطولت الباء قال القتيبي ليكون افتتاح كلام كتاب الله بحرف معظم كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول لكتابه طولوا الباء وأظهروا السين وفرجوا بينهما ودوروا الميم . تعظيما لكتاب الله تعالى وقيل لما أسقطوا الألف ردوا طول الألف على الباء ليكون دالا على سقوط الألف ألا ترى أنه لما كتبت الألف في " اقرأ باسم ربك " ( 1 - العلق ) ردت الباء إلى صيغتها ولا تحذف الألف إذا أضيف الاسم إلى غير الله ولا مع غير الباء .

والاسم هو المسمى وعينه وذاته قال الله تعالى : " إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى " ( 7 - مريم ) أخبر أن اسمه يحيى ثم نادى الاسم فقال : يا يحيى " وقال : ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها " ( 40 - يوسف ) وأراد الأشخاص المعبودة لأنهم كانوا يعبدون المسميات وقال : سبح اسم ربك " ( 1 - الأعلى ) ، وتبارك اسم ربك " ثم يقال للتسمية أيضا اسم فاستعماله في التسمية أكثر من المسمى فإن قيل ما معنى التسمية من الله لنفسه؟ قيل هو تعليم للعباد كيف يفتتحون القراءة .

واختلفوا في اشتقاقه قال المبرد من البصريين هو مشتق من السمو وهو العلو فكأنه علا على معناه وظهر عليه وصار معناه تحته وقال ثعلب من الكوفيين : هو من الوسم والسمة وهي العلامة وكأنه علامة لمعناه والأول أصح لأنه يصغر على السمي ولو كان من السمة لكان يصغر على الوسيم كما يقال في الوعد وعيد ويقال في تصريفه سميت ولو كان من الوسم لقيل وسمت . قوله تعالى " الله " قال الخليل وجماعة هو اسم علم خاص لله عز وجل لا اشتقاق له كأسماء الأعلام للعباد مثل زيد وعمرو . وقال جماعة هو مشتق ثم اختلفوا في اشتقاقه فقيل من أله إلاهة أي عبد عبادة وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما " ويذرك وآلهتك " ( 127 - الأعراف ) أي عبادتك - معناه أنه مستحق للعبادة دون غيره وقيل أصله إله قال الله عز وجل " وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق " ( 91 - المؤمنون ) قال المبرد : هو من قول العرب ألهت إلى فلان أي سكنت إليه قال الشاعر

ألهت إليها والحوادث جمة

فكأن الخلق يسكنون إليه ويطمئنون بذكره ويقال ألهت إليه أي فزعت إليه قال الشاعر

ألهت إليها والركائب وقف

وقيل أصل الإله " ولاه " فأبدلت الواو بالهمزة مثل وشاح وإشاح اشتقاقه من الوله لأن العباد يولهون إليه أي يفزعون إليه في الشدائد ويلجئون إليه في الحوائج كما يوله كل طفل إلى أمه وقيل هو من الوله وهو ذهاب العقل لفقد من يعز عليك .

قوله ( الرحمن الرحيم ) قال ابن عباس رضي الله عنهما هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر . واختلفوا فيهما منهم من قال هما بمعنى واحد مثل ندمان ونديم ومعناهما ذو الرحمة وذكر أحدهما بعد الآخر تطميعا لقلوب الراغبين . وقال المبرد : هو إنعام بعد إنعام وتفضل بعد تفضل ومنهم من فرق بينهما فقال الرحمن بمعنى العموم والرحيم بمعنى الخصوص . فالرحمن بمعنى الرزاق في الدنيا وهو على العموم لكافة الخلق . والرحيم بمعنى المعافي في الآخرة والعفو في الآخرة للمؤمنين على الخصوص ولذلك قيل في الدعاء يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على العموم والرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص ولذلك يدعى غير الله رحيما ولا يدعى غير الله رحمن . فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ والرحيم عام اللفظ خاص المعنى والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله . وقيل هي ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق فهي على الأول صفة ذات وعلى الثاني صفة ( فعل ) .

واختلفوا في آية التسمية فذهب قراء المدينة والبصرة وفقهاء الكوفة إلى أنها ليست من فاتحة الكتاب ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن والتبرك . وذهب قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إلى أنها من الفاتحة وليست من سائر السور وأنها كتبت للفصل وذهب جماعة إلى أنها من الفاتحة ومن كل سورة إلا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القرآن .

واتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات فالآية الأولى عند من يعدها من الفاتحة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وابتداء الآية الأخيرة ( صراط الذين ) ومن لم يعدها من الفاتحة قال ابتداؤها " الحمد لله رب العالمين " وابتداء الآية الأخيرة " غير المغضوب عليهم " واحتج من جعلها من الفاتحة ومن السور بأنها كتبت في المصحف بخط القرآن وبما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبي عن سعيد بن جبير ( قال ) " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " ( 87 - الحجر ) هي أم القرآن قال أبي وقرأها علي سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم " الآية السابعة قال سعيد : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ، قال ابن عباس : فذخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم .


ابن كثير : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

( بسم الله الرحمن الرحيم )

يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، وبها تفتح القراءة في الصلاة ، ويقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، وكره أنس ، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن وابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنها رقية ؟ . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، وليس غيرها عوضا عنها . ويقال لها : سورة الصلاة والكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . وهي مكية ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ، وقيل مدنية ، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري . ويقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ، والأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، والله أعلم . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . وهي سبع آيات بلا خلاف ، [ وقال عمرو بن عبيد : ثمان ، وقال حسين الجعفي : ستة وهذان شاذان ] . وإنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .

قالوا : وكلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا . قال البخاري في أول كتاب التفسير : وسميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته . قال ابن جرير : والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، واستشهد بقول ذي الرمة :

على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرا

يعني : الرمح . قال : وسميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، وقيل : لأن الأرض دحيت منها .

ويقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، وصح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني . وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .

وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، وقال : كلهم ثقات . وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، وأن البسملة هي الآية السابعة منها ، وسيأتي تمام هذا عند البسملة .

وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .

وقد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ] وقيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح . وقيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] وهذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، والله المستعان.

ذكر ما ورد في فضل الفاتحة

قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه حتى صليت وأتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ . قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .

وهكذا رواه البخاري عن مسدد ، وعلي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . ورواه في موضع آخر من التفسير ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .

وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ، وهو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي ، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، وهذا تابعي من موالي خزاعة ، وذاك الحديث متصل صحيح ، وهذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، والله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب ، وهو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : وعليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ . قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، وعنده : إنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

وفي الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ، هذا لفظ النسائي . وقال الترمذي : حسن غريب .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا خلفه حتى دخل رحله ، ودخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر ، فقال : عليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، وابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، والله أعلم . ويقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن العربي ، وابن الحصار من المالكية . وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، وأبي بكر الباقلاني ، وأبي حاتم بن حبان البستي ، ويحيى بن يحيى ، ورواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .

حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، وإن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا واضربوا لي بسهم .

وقال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .

وهكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، وهو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .

حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، ولن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . وهذا لفظ النسائي .

ولمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .

وهكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . وقد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به وفي هذا السياق : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل .

وكذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .

ورواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه وأبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .

وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، وعن العلاء عن أبي السائب .

وقد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .

قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وله ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، وله ما بقي

وهذا غريب من هذا الوجه .

ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :

أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، والمراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس وهكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، وأنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، والمراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، وهو اتفاق من العلماء .

ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟ على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، واحتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها ، فدل على ما قلناه .

والقول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، ولا تجزئ الصلاة بدونها ، وهو قول بقية الأئمة : مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء ؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله وسلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج والخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . واحتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، ووجه المناظرة هاهنا يطول ذكره ، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .

ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة . وقال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، وقال الحسن وأكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] والله أعلم .

وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحة هذا نظر ، وموضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، والله أعلم .

الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء :

أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .

والثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ولكن في إسناده ضعف . ورواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . وقد روي هذا الحديث من طرق ، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .

والقول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، ولا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا وذكر بقية الحديث .

وهكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا قرأ فأنصتوا . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل .

والغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، والله أعلم .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، وقرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت

الكلام على تفسير الاستعاذة

قال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] وقال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، وكذب ، فكيف معاملته لنا وقد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، وقال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]

قالت طائفة من القراء وغيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، وأبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .

وروي عن أبي هريرة - أيضا - وهو غريب .

[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، واستغربه ابن العربي . وحكى قولا ثالثا وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .

والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، ومعنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام . والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :

حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . ويقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه .

وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر . كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه .

قال عمرو : وهمزه : الموتة ، ونفخه : الكبر ، ونفثه : الشعر .

وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وهمزه ونفخه ونفثه .

قال : همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، وسبحان الله وبحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه . وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .

وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، وأبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، والنسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .

قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لست بمجنون .

وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .

وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .

مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .

مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .

مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .

ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .

فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :

يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسره

ولا يهيضون عظما أنت جابره

فصل معنى الاستعاذة

ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .

والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال

فقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .

وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين

يقول : بعدت بها طريق بعيدة .

[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .

والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] .

" بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .

وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .

والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .

وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .

وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .

وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .

وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .

وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .

وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .

وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .

فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .

قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .

وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .

وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرة

وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .

وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .

وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .

وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .

[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .

وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .

هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم ا


القرطبى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

القول في الاستعاذة

وفيها اثنتا عشرة مسألة :

الأولى : أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة فقال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] أي إذا أردت أن تقرأ ; فأوقع الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر :

وإني لآتيكم لذكري الذي مضى من الود واستئناف ما كان في غد

أراد ما يكون في غد ; وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت ; كما قال تعالى : ثم دنا فتدلى [ النجم : 8 ] المعنى فتدلى ثم دنا ; ومثله : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] وهو كثير .

الثانية : هذا الأمر على الندب في قول الجمهور في كل قراءة في غير الصلاة . واختلفوا فيه في الصلاة . حكى النقاش عن عطاء : أن الاستعاذة واجبة ، وكان ابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في الصلاة كل ركعة ، ويمتثلون أمر الله في الاستعاذة على العموم ، وأبو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ; ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان .

الثالثة : أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه ، وهو قول القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى . وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ; فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن أم عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم .

الرابعة : روى أبو داود وابن ماجه في سننهما عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال عمرو : لا أدري أي صلاة هي ؟ فقال : " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا - ثلاثا - الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا - ثلاثا - وسبحان الله بكرة وأصيلا - ثلاثا - أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه . قال عمرو : همزه المؤتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبر . وقال ابن ماجه : المؤتة يعني الجنون . والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه . والكبر : التيه . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك - ثم يقول : لا إله إلا الله - ثلاثا ثم يقول : - الله أكبر كبيرا - ثلاثا - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ . وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله أن الاستعاذة : أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم . قال ابن عطية : " وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى ، كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد ، من الشيطان المريد ; ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز " .

الخامسة : قال المهدوي : أجمع القراء على إظهار الاستعاذة في أول قراءة سورة " الحمد " إلا حمزة فإنه أسرها . وروى السدي عن أهل المدينة أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالبسملة . وذكر أبو الليث السمرقندي عن بعض المفسرين أن التعوذ فرض ، فإذا نسيه القارئ وذكره في بعض الحزب قطع وتعوذ ، ثم ابتدأ من أوله . وبعضهم يقول : يستعيذ ثم يرجع إلى موضعه الذي وقف فيه ; وبالأول قال أسانيد الحجاز والعراق ; وبالثاني قال أسانيد الشام ومصر .

السادسة : حكى الزهراوي قال : نزلت الآية في الصلاة وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض . قال غيره : كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ثم تأسينا به .

السابعة : روي عن أبي هريرة أن الاستعاذة بعد القراءة ; وقاله داود . قال أبو بكر بن العربي : انتهى العي بقوم إلى أن قالوا : إذا فرغ القارئ من قراءة القرآن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم . وقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة ، وهذا نص . فإن قيل : فما الفائدة في الاستعاذة من الشيطان الرجيم وقت القراءة ؟ قلنا : فائدتها امتثال الأمر ، وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرا أو اجتنابها نهيا ; وقد قيل : فائدتها امتثال الأمر بالاستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة ; كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ الحج : 52 ] . قال ابن العربي : ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] قال : ذلك بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة ، وهذا قول لم يرد به أثر ، ولا يعضده نظر ; فإن كان هذا كما قال بعض الناس : إن الاستعاذة بعد القراءة ، كان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة ، ولا تشبه أصل مالك ولا فهمه ; فالله أعلم بسر هذه الرواية .

الثامنة : في فضل التعوذ . روى مسلم عن سليمان بن صرد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ؟ قال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له الرجل : أمجنونا تراني ! أخرجه البخاري أيضا . وروى مسلم أيضا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال : ففعلت فأذهبه الله عني . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك [ وشر ما فيك ] [ و ] شر ما خلق فيك ومن شر ما يدب عليك [ وأعوذ بالله ] من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن [ ساكن ] البلد ووالد وما ولد وروت خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل . أخرجه الموطأ ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن غريب صحيح . وما يتعوذ منه كثير ثابت في الأخبار ، والله المستعان .

التاسعة : معنى الاستعاذة في كلام العرب : الاستجارة والتحيز إلى الشيء ، على معنى الامتناع به من المكروه ; يقال : عذت بفلان واستعذت به ; أي لجأت إليه . وهو عياذي ; أي ملجئي . وأعذت غيري به وعوذته بمعنى . ويقال : عوذ بالله منك ; أي أعوذ بالله منك ; قال الراجز

قالت وفيها حيدة وذعر عوذ بربي منكم وحجر

والعرب تقول عند الأمر تنكره : حجرا له ، بالضم ، أي دفعا ، وهو استعاذة من الأمر . والعوذة والمعاذة والتعويذ كله بمعنى . وأصل أعوذ : أعوذ نقلت الضمة إلى العين لاستثقالها على الواو فسكنت .

العاشرة : الشيطان واحد الشياطين ; على التكسير والنون أصلية ; لأنه من شطن إذا بعد عن الخير . وشطنت داره أي بعدت ; قال الشاعر [ النابغة الذبياني ] :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين

وبئر شطون أي بعيدة القعر . والشطن : الحبل ; سمي به لبعد طرفيه وامتداده . ووصف أعرابي فرسا لا يحفى فقال : كأنه شيطان في أشطان . وسمي الشيطان شيطانا لبعده عن الحق وتمرده ; وذلك أن كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان ; قال جرير :

أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطانا

وقيل : إن شيطانا مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك ، فالنون زائدة . وشاط إذا احترق وشيطت اللحم إذا دخنته ولم تنضجه . واشتاط الرجل إذا احتد غضبا . وناقة مشياط التي يطير فيها السمن . واشتاط إذا هلك ; قال الأعشى :

قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطل

أي يهلك . ويرد على هذه الفرقة أن سيبويه حكى أن العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين ، فهذا بين أنه تفيعل من شطن ، ولو كان من شاط لقالوا : تشيط ، ويرد عليهم أيضا بيت أمية بن أبي الصلت :

أيما شاطن عصاه عكاه ورماه في السجن والأغلال

فهذا شاطن من شطن لا شك فيه .

الحادية عشرة : الرجيم أي المبعد من الخير المهان . وأصل الرجم : الرمي بالحجارة ، وقد رجمته أرجمه ، فهو رجيم ومرجوم . والرجم : القتل واللعن والطرد والشتم ، وقد قيل هذا كله في قوله تعالى : لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين [ الشعراء : 116 ] . وقول أبي إبراهيم : لئن لم تنته لأرجمنك [ مريم : 46 ] . وسيأتي إن شاء الله تعالى .

الثانية عشرة : روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه ، قلت : ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله ؟ قال هذا الشيطان الرجيم فقلت : يا عدو الله ، والله لأقتلنك والله لأقتلنك ولأريحن الأمة منك ; قال : ما هذا جزائي منك ; قلت : وما جزاؤك مني يا عدو الله ؟ قال : والله ما أبغضك أحد قط إلا شركت أباه في رحم أمه .

وفيها سبع وعشرون مسألة :

الأولى : قال العلماء : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة ، يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ، وإني أفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري . و ( بسم الله الرحمن الرحيم ) مما أنزله الله تعالى في كتابنا وعلى هذه الأمة خصوصا بعد سليمان عليه السلام . وقال بعض العلماء : إن بسم الله الرحمن الرحيم تضمنت جميع الشرع ، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات ; وهذا صحيح .

الثانية : قال سعيد بن أبي سكينة : بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال له : جودها فإن رجلا جودها فغفر له . قال سعيد : وبلغني أن رجلا نظر إلى قرطاس فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقبله ووضعه على عينيه فغفر له . ومن هذا المعنى قصة بشر الحافي ، فإنه لما رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيبها طيب اسمه ، ذكره القشيري . وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عثرت بك الدابة فلا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صرعته ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب . وقال علي بن الحسين في تفسير قوله تعالى : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [ الإسراء : 46 ] قال معناه : إذا قلت : بسم الله الرحمن الرحيم . وروى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ليجعل الله تعالى له بكل حرف منها جنة من كل واحد . فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم : عليها تسعة عشر [ المدثر : 30 ] وهم يقولون في كل أفعالهم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فمن هنالك هي قوتهم ، وببسم الله استضلعوا . قال ابن عطية : ونظير هذا قولهم في ليلة القدر : إنها ليلة سبع وعشرين ، مراعاة للفظة ( هي ) من كلمات سورة : إنا أنزلناه [ القدر : 1 ] . ونظيره أيضا قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فإنها بضعة وثلاثون حرفا ; فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول . قال ابن عطية : وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم .

الثالثة : روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب ( باسمك اللهم ) حتى أمر أن يكتب ( بسم الله ) فكتبها ; فلما نزلت : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [ الإسراء : 110 ] كتب ( بسم الله الرحمن ) فلما نزلت : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل : 30 ] كتبها . وفي مصنف أبي داود قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب بسم الله حتى نزلت سورة " النمل " .

الرابعة : روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال : البسملة تيجان السور .

قلت : وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها . وقد اختلف العلماء في هذا المعنى على ثلاثة أقوال :

( الأول ) ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها ; وهو قول مالك . ( الثاني ) أنها آية من كل سورة ; وهو قول عبد الله بن المبارك . ( الثالث ) قال الشافعي : هي آية في الفاتحة ; وتردد قوله في سائر السور ; فمرة قال : هي آية من كل سورة ، ومرة قال : ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها . ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل .

واحتج الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قرأتم " الحمد لله رب العالمين " فاقرءوا " بسم الله الرحمن الرحيم " إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و " بسم الله الرحمن الرحيم " ، إحداها . رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر وعبد الحميد هذا وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين ; وأبو حاتم يقول فيه : محله الصدق ; وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه . ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور .

وحجة ابن المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ; فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر وذكر الحديث ، وسيأتي بكماله في سورة الكوثر إن شاء الله تعالى .

الخامسة : الصحيح من هذه الأقوال قول مالك ; لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه . قال ابن العربي : ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها ، والقرآن لا يختلف فيه . والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها . روى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال [ تعالى ] : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : أثنى علي عبدي وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلى عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . فقوله سبحانه : " قسمت الصلاة " يريد الفاتحة ، وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها ; فجعل الثلاث الآيات الأول لنفسه ، واختص بها تبارك اسمه ، ولم يختلف المسلمون فيها . ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ; لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب الاستعانة منه ، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى ، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات . ومما يدل على أنها ثلاث قوله : " هؤلاء لعبدي " أخرجه مالك ; ولم يقل : هاتان ; فهذا يدل على أن ( أنعمت عليهم ) آية . قال ابن بكير قال مالك : " أنعمت عليهم " آية ، ثم الآية السابعة إلى آخرها . فثبت بهذه القسمة التي قسمها الله تعالى وبقوله عليه السلام لأبي : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة قال : فقرأت : الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها - أن البسملة ليست بآية منها ، وكذا عد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة ; وأكثر القراء عدوا : ( أنعمت عليهم ) آية ، وكذا روى قتادة عن أبي نضرة عن أبي هريرة قال : الآية السادسة : ( أنعمت عليهم ) . وأما أهل الكوفة من القراء والفقهاء فإنهم عدوا فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولم يعدوا ( أنعمت عليهم ) .

فإن قيل : فإنها ثبتت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله ، كما نقلت في النمل ، وذلك متواتر عنهم . قلنا : ما ذكرتموه صحيح ; ولكن لكونها قرآنا ، أو لكونها فاصلة بين السور - كما روي عن الصحابة : كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل " بسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أبو داود - أو تبركا بها ، كما قد اتفقت الأمة على كتبها في أوائل الكتب والرسائل ؟ كل ذلك محتمل . وقد قال الجريري : سئل الحسن عن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : في صدور الرسائل . وقال الحسن أيضا : لم تنزل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في شيء من القرآن إلا في " طس " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . والفيصل أن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال ، وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعي الاضطراري . ثم قد اضطرب قول الشافعي فيها في أول كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة ; والحمد لله .

فإن قيل : فقد روى جماعة قرآنيتها ، وقد تولى الدارقطني جمع ذلك في جزء صححه . قلنا : لسنا ننكر الرواية بذلك وقد أشرنا إليها ، ولنا أخبار ثابتة في مقابلتها ، رواها الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات . روت عائشة في صحيح مسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ، الحديث . وسيأتي بكماله . وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ; لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول قراءة ولا في آخرها .

ثم إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم ، وهو المعقول ; وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ، ومرت عليه الأزمنة والدهور ، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك ، ولم يقرأ أحد فيه قط " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ اتباعا للسنة ، وهذا يرد أحاديثكم .

بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل ; وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في ذلك . قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضا .

وجملة مذهب مالك وأصحابه : أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها ، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سرا ولا جهرا ; ويجوز أن يقرأها في النوافل . هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه . وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل ، ولا تقرأ أول أم القرآن . وروى عنه ابن نافع ابتداء القراءة بها في الصلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال . ومن أهل المدينة من يقول : إنه لابد فيها من ( بسم الله الرحمن الرحيم ) منهم ابن عمر ، وابن شهاب ; وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد . وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية ، كما ظنه بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين ; وليس كما ظن لوجود الاختلاف المذكور ; والحمد لله .

وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار بها مع الفاتحة ; منهم : أبو حنيفة والثوري ; وروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير ; وهو قول الحكم وحماد ; وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد ; وروي عن الأوزاعي مثل ذلك ; حكاه أبو عمر بن عبد البر في ( الاستذكار ) . واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وما رواه عمار بن زريق عن الأعمش عن شعبة عن ثابت عن أنس قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم .

قلت : هذا قول حسن ، وعليه تتفق الآثار عن أنس ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة البسملة . وقد روي عن سعيد بن جبير قال : كان المشركون يحضرون بالمسجد ; فإذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قالوا : هذا محمد يذكر رحمان اليمامة - يعنون مسيلمة - فأمر أن يخافت ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ونزل : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها . قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم وإن زالت العلة ، كما بقي الرمل في الطواف وإن زالت العلة ، وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة .

السادسة : اتفقت الأمة على جواز كتبها في أول كل كتاب من كتب العلم والرسائل ; فإن كان الكتاب ديوان شعر فروى مجالد عن الشعبي قال : أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر : بسم الله الرحمن الرحيم . وقال الزهري : مضت السنة ألا يكتبوا في الشعر : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وذهب إلى رسم التسمية في أول كتب الشعر سعيد بن جبير ، وتابعه على ذلك أكثر المتأخرين . قال أبو بكر الخطيب : وهو الذي نختاره ونستحبه .

السابعة : قال الماوردي ويقال لمن قال بسم الله : مبسمل ، وهي لغة مولدة ، وقد جاءت في الشعر ; قال عمر بن أبي ربيعة :

لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل

قلت : المشهور عن أهل اللغة بسمل . قال يعقوب بن السكيت والمطرز والثعالبي وغيرهم من أهل اللغة : بسمل الرجل ، إذا قال : بسم الله . يقال : قد أكثرت من البسملة ; أي من قول بسم الله ، ومثله : حوقل الرجل ، إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهلل ، إذا قال : لا إله إلا الله ، وسبحل ، إذا قال : سبحان الله ، وحمدل ، إذا قال : الحمد لله ، وحيصل ، إذا قال : حي على الصلاة ، وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال : أطال الله بقاءك . ودمعز ، إذا قال أدام الله عزك . وحيفل ، إذا قال : حي على الفلاح . ولم يذكر المطرز : الحيصلة ، إذا قال : حي على الصلاة . وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال أطال الله بقاءك . ودمعز إذا قال : أدام الله عزك .

الثامنة : ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل ; كالأكل والشرب والنحر ; والجماع والطهارة وركوب البحر ، إلى غير ذلك من الأفعال ; قال الله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه . وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله . وقال لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا . وقال لعمر بن أبي سلمة يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وقال : إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وقال : من لم يذبح فليذبح باسم الله . وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة [ بالله ] وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . هذا كله ثابت في الصحيح . وروى ابن ماجه والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله . وروى الدارقطني عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ، ثم يفرغ الماء على يديه .

التاسعة : قال علماؤنا : وفيها رد على القدرية وغيرهم ممن يقول : إن أفعالهم مقدورة لهم ، وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه أمرنا عند الابتداء بكل فعل أن نفتتح بذلك ، كما ذكرنا .

فمعنى بسم الله ، أي بالله . ومعنى ( بالله ) أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل إليه . وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى . وقال بعضهم : معنى قوله ( بسم الله ) يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته ; وهذا تعليم من الله تعالى عباده ، ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها ، حتى يكون الافتتاح ببركة الله جل وعز .

العاشرة : ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن ( اسم ) صلة زائدة ، واستشهد بقول لبيد :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

فذكر ( اسم ) زيادة ، وإنما أراد : ثم السلام عليكما .

وقد استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو المسمى . وسيأتي الكلام فيه في هذا الباب وغيره ، إن شاء الله تعالى .

الحادية عشرة : اختلف في معنى زيادة : " اسم " ; فقال قطرب : زيدت لإجلال ذكره تعالى وتعظيمه . وقال الأخفش : زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك ; لأن أصل الكلام : بالله .

الثانية عشرة : اختلفوا أيضا في معنى دخول الباء عليه ، هل دخلت على معنى الأمر ؟ والتقدير : ابدأ بسم الله . أو على معنى الخبر ؟ والتقدير : ابتدأت بسم الله ; قولان : الأول للفراء ، والثاني للزجاج . ف ( باسم ) في موضع نصب على التأويلين . وقيل : المعنى ابتدائي بسم الله ; ف ( بسم الله ) في موضع رفع خبر الابتداء . وقيل : الخبر محذوف ; أي ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله ; فإذا أظهرته كان " بسم الله " في موضع نصب بثابت أو مستقر ، وكان بمنزلة قولك : زيد في الدار . وفي التنزيل : فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ف ( عنده ) في موضع نصب ; روي هذا عن نحاة أهل البصرة . وقيل : التقدير ابتدائي ببسم الله موجود أو ثابت ، ف ( باسم ) في موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي .

الثالثة عشرة : بسم الله ، تكتب بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط لكثرة الاستعمال ، بخلاف قوله : اقرأ باسم ربك فإنها لم تحذف ؛ لقلة الاستعمال . واختلفوا في حذفها مع الرحمن والقاهر ; فقال الكسائي وسعيد الأخفش : تحذف الألف . وقال يحيى بن وثاب : لا تحذف إلا مع بسم الله فقط ، لأن الاستعمال إنما كثر فيه .

الرابعة عشر : واختلف في تخصيص باء الجر بالكسر على ثلاثة معان ; فقيل : ليناسب لفظها عملها . وقيل : لما كانت الباء لا تدخل إلا على الأسماء خصت بالخفض الذي لا يكون إلا في الأسماء . الثالث : ليفرق بينهما وبين ما قد يكون من الحروف اسما ; نحو الكاف في قول الشاعر :

ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا

أي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله .

الخامسة عشرة : اسم ، وزنه افع ، والذاهب منه الواو ; لأنه من سموت ، وجمعه أسماء ، وتصغيره سمي . واختلف في تقدير أصله ، فقيل : فعل ، وقيل : فعل . قال الجوهري : وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن ، وهو مثل جذع وأجذاع ، وقفل وأقفال ; وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسماع . وفيه أربع لغات : إسم بالكسر ، وأسم بالضم . قال أحمد بن يحيى : من ضم الألف أخذه من سموت أسمو ، ومن كسر أخذه من سميت أسمي . ويقال : سم وسم ، وينشد :

والله أسماك سما مباركا آثرك الله به إيثاركا

وقال آخر :

وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سمه

مبتركا كل عظم يلحمه

قرضب الرجل : إذا أكل شيئا يابسا ، فهو قرضاب . ( سمه ) بالضم والكسر جميعا .

ومنه قول الآخر :

باسم الذي في كل سورة سمه

وسكنت السين من ( باسم ) اعتلالا على غير قياس ، وألفه ألف وصل ، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة ; كقول الأحوص :

وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ولا من تسمى ثم يلتزم الإسما

السادسة عشرة : تقول العرب في النسب إلى الاسم : سموي ، وإن شئت " اسمي " ، تركته على حاله ، وجمعه أسماء ، وجمع الأسماء أسام . وحكى الفراء : أعيذك بأسماوات الله .

السابعة عشرة : اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين : فقال البصريون : هو مشتق من السمو وهو العلو والرفعة ، فقيل : اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به . وقيل : لأن الاسم يسموا بالمسمى فيرفعه عن غيره . وقيل : إنما سمي الاسم اسما لأنه علا بقوته على قسمي الكلام : الحرف والفعل ; والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل ; فلعلوه عليهما سمي اسما ; فهذه ثلاثة أقوال .

وقال الكوفيون : إنه مشتق من السمة وهي العلامة ; لأن الاسم علامة لمن وضع له ; فأصل اسم على هذا ( وسم ) . والأول أصح ; لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء ; والجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها ; فلا يقال : وسيم ولا أوسام . ويدل على صحته أيضا فائدة الخلاف وهي :

الثامنة عشرة : فإن من قال الاسم مشتق من العلو يقول : لم يزل الله سبحانه موصوفا قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته ; وهذا قول أهل السنة . ومن قال الاسم مشتق من السمة يقول : كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة ، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة ; وهذا قول المعتزلة وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة ، وهو أعظم في الخطأ من قولهم : إن كلامه مخلوق ، تعالى الله عن ذلك ! وعلى هذا الخلاف وقع الكلام في الاسم والمسمى وهي :

التاسعة عشرة : فذهب أهل الحق - فيما نقل القاضي أبو بكر بن الطيب - إلى أن الاسم هو المسمى ، وارتضاه ابن فورك ; وهو قول أبي عبيدة وسيبويه . فإذا قال قائل : الله عالم ; فقوله دال على الذات الموصوفة بكونه عالما ، فالاسم لكونه عالما وهو المسمى بعينه . وكذلك إذا قال : الله خالق ; فالخالق هو الرب ، وهو بعينه الاسم . فالاسم عندهم هو المسمى بعينه من غير تفصيل .

قال ابن الحصار : من ينفي الصفات من المبتدعة يزعم أن لا مدلول للتسميات إلا الذات ، ولذلك يقولون : الاسم غير المسمى ، ومن يثبت الصفات يثبت للتسميات مدلولات هي أوصاف الذات وهي غير العبارات وهي الأسماء عندهم . وسيأتي لهذه مزيد بيان في ( البقرة ) و ( الأعراف ) إن شاء الله تعالى .

الموفية عشرين - قوله : ( الله ) هذا الاسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها ، حتى قال بعض العلماء : إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره ; ولذلك لم يثن ولم يجمع ، وهو أحد تأويلي قوله تعالى : هل تعلم له سميا أي من تسمى باسمه الذي هو ( الله ) . فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المنفرد بالوجود الحقيقي ، لا إله إلا هو سبحانه . وقيل : معناه الذي يستحق أن يعبد . وقيل : معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال ; والمعنى واحد .

الحادية والعشرون : واختلفوا في هذا الاسم هل هو مشتق أو موضوع للذات علم ؟ فذهب إلى الأول كثير من أهل العلم . واختلفوا في اشتقاقه وأصله ; فروى سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه ، مثل فعال ; فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة . قال سيبويه : مثل الناس أصله أناس . وقيل : أصل الكلمة ( لاه ) وعليه دخلت الألف واللام للتعظيم ، وهذا اختيار سيبويه . وأنشد :

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني

كذا الرواية : فتخزوني ، بالخاء المعجمة ومعناه : تسوسني .

وقال الكسائي والفراء : معنى " بسم الله " بسم الإله ; فحذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارتا لاما مشددة ; كما قال عز وجل : لكنا هو الله ربي ومعناه : لكن أنا ، كذلك قرأها الحسن . ثم قيل : هو مشتق من ( وله ) إذا تحير ; والوله : ذهاب العقل . يقال : رجل واله وامرأة والهة وواله ، وماء موله : أرسل في الصحاري . فالله سبحانه تتحير الألباب وتذهب في حقائق صفاته والفكر في معرفته . فعلى هذا أصل : ( إلاه ) ، ( ولاه ) وأن الهمزة مبدلة من واو كما أبدلت في إشاح ووشاح ، وإسادة ووسادة ، وروي عن الخليل . وروي عن الضحاك أنه قال : إنما سمي : ( الله ) إلها ، لأن الخلق يتألهون إليه في حوائجهم ، ويتضرعون إليه عند شدائدهم ، وذكر عن الخليل بن أحمد أنه قال : لأن الخلق يألهون إليه ( بنصب اللام ) ويألهون أيضا ( بكسرها ) وهما لغتان . وقيل : إنه مشتق من الارتفاع ، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها ، فكانوا يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت . وقيل : هو مشتق من أله الرجل إذا تعبد . وتأله إذا تنسك ، ومن ذلك قوله تعالى : ( ويذرك وإلاهتك ) على هذه القراءة ; فإن ابن عباس وغيره قالوا : وعبادتك .

قالوا : فاسم الله مشتق من هذا ، فالله سبحانه معناه المقصود بالعبادة ، ومنه قول الموحدين : لا إله إلا الله ، معناه لا معبود غير الله . و ( إلا ) في الكلمة بمعنى غير ، لا بمعنى الاستثناء . وزعم بعضهم أن الأصل فيه ( الهاء ) التي هي الكناية عن الغائب ، وذلك أنهم أثبتوه موجودا في فطر عقولهم فأشاروا إليه بحرف الكناية ثم زيدت فيه لام الملك إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها فصار ( له ) ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما وتفخيما .

القول الثاني : ذهب إليه جماعة من العلماء أيضا منهم الشافعي وأبو المعالي والخطابي والغزالي والمفضل وغيرهم ، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام لازمة له لا يجوز حذفهما منه . قال الخطابي : والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ، ولم يدخلا للتعريف : دخول حرف النداء عليه ; كقولك : يا الله ، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ; ألا ترى أنك لا تقول : يا الرحمن ولا : يا الرحيم ، كما تقول : يا الله ، فدل على أنهما من بنية الاسم . والله أعلم .

الثانية والعشرون : واختلفوا أيضا في اشتقاق اسمه الرحمن ; فقال بعضهم : لا اشتقاق له لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولأنه لو كان مشتقا من الرحمة لاتصل بذكر المرحوم ، فجاز أن يقال : الله رحمن بعباده ، كما يقال : رحيم بعباده . وأيضا لو كان مشتقا من الرحمة لم تنكره العرب حين سمعوه ، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم ، وقد قال الله عز وجل : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن الآية . ولما كتب علي رضي الله عنه في صلح الحديبية بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : أما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فما ندري ما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ! ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم ، الحديث . قال ابن العربي‏ : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ، واستدل على ذلك بقولهم : وما الرحمن ؟ ولم يقولوا : ومن الرحمن ؟ قال ابن الحصار : وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى : " وهم يكفرون بالرحمن " . وذهب الجمهور من الناس إلى أن ( الرحمن ) مشتق من الرحمة مبني على المبالغة ; ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها ؛ فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى ( الرحيم ) ويجمع .

قال ابن الحصار : ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته . وهذا نص في الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق ، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له .

الثالثة والعشرون : زعم المبرد فيما ذكر ابن الأنباري في كتاب ( الزاهر ) له : أن ( الرحمن ) اسم عبراني فجاء معه ب ( الرحيم ) وأنشد :

لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا أو تتركون إلى القسين هجرتكم

ومسحكم صلبهم رحمان قربانا

قال أبو إسحاق الزجاج في ( معاني القرآن ) : وقال أحمد بن يحيى : " الرحيم " عربي و " الرحمان " عبراني ، فلهذا جمع بينهما . وهذا القول مرغوب عنه .

وقال أبو العباس : النعت قد يقع للمدح ; كما تقول : قال جرير الشاعر : وروى مطرف عن قتادة في قول الله عز وجل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : مدح نفسه . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن . وقال قطرب : يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن ، وفي التوكيد أعظم الفائدة ، وهو كثير في كلام العرب ، ويستغنى عن الاستشهاد ; والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد : إنه تفضل بعد تفضل ، وإنعام بعد إنعام ، وتقوية لمطامع الراغبين ، ووعد لا يخيب آمله .

الرابعة والعشرون : واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ؟ فقيل : هما بمعنى واحد ; كندمان ونديم . قالهأبو عبيدة . وقيل : ليس بناء فعلان كفعيل ، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل ; نحو قولك : رجل غضبان ، للممتلئ غضبا . وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول . قال عملس :

فأما إذا عضت بك الحرب عضة فإنك معطوف عليك رحيم

ف ( الرحمن ) خاص الاسم عام الفعل . و ( الرحيم ) عام الاسم خاص الفعل . هذا قول الجمهور .

قال أبو علي الفارسي : ( الرحمن ) اسم عام في جميع أنواع الرحمة ، يختص به الله . ( والرحيم ) إنما هو في جهة المؤمنين ; كما قال تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما . وقال العرزمي ( الرحمن ) بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة ، و ( الرحيم ) بالمؤمنين في الهداية لهم ، واللطف بهم . وقال ابن المبارك : ( الرحمن ) إذا سئل أعطى ، و ( الرحيم ) إذا لم يسأل غضب . وروى ابن ماجه في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يسأل الله يغضب عليه لفظ الترمذي . وقال ابن ماجه : من لم يدع الله سبحانه غضب عليه . وقال : سألت أبا زرعة عن أبي صالح هذا ، فقال : هو الذي يقال له : الفارسي وهو خوزي ولا أعرف اسمه . وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

وقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، أي أكثر رحمة .

قال الخطابي : وهذا مشكل ; لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله تعالى .

وقال الحسين بن الفضل البجلي : هذا وهم من الراوي ، لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء ، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، والرفق من صفات الله عز وجل ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .

الخامسة والعشرون : أكثر العلماء على أن ( الرحمن ) مختص بالله عز وجل ، لا يجوز أن يسمى به غيره ، ألا تراه قال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فعادل الاسم الذي لا يشركه فيه غيره . وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون فأخبر أن الرحمن هو المستحق للعبادة جل وعز . وقد تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمى برحمان اليمامة ، ولم يتسم به حتى قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالى نعت الكذاب لذلك ، وإن كان كل كافر كاذبا ، فقد صار هذا الوصف لمسيلمة علما يعرف به ، ألزمه الله إياه . وقد قيل في اسمه " الرحمن " : إنه اسم الله الأعظم ذكره ابن العربي .

السادسة والعشرون : الرحيم صفة مطلقة للمخلوقين ، ولما في الرحمن من العموم قدم في كلامنا على الرحيم مع موافقة التنزيل ; قاله المهدوي . وقيل : إن معنى الرحيم أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن ، ف ( الرحيم ) نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد نعته تعالى بذلك فقال : ( رؤوف رحيم ) فكأن المعنى أن يقول بسم الله الرحمن وبالرحيم ، أي وبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي ، أي باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي والله أعلم .

السابعة والعشرون : روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال في قوله ( بسم الله ) : إنه شفاء من كل داء ، وعون على كل دواء . وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به ، وهو اسم لم يسم به غيره . وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحا .

وقد فسره بعضهم على الحروف ; فروي عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : أما الباء فبلاء الله وروحه ونضرته وبهاؤه وأما السين فسناء الله وأما الميم فملك الله وأما الله فلا إله غيره وأما الرحمن فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة . وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه . وقد قيل : إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه ; فالباء مفتاح اسمه " بصير " ، والسين مفتاح اسمه " سميع " ، والميم مفتاح اسمه " مليك " ، والألف مفتاح اسمه " الله " ، واللام مفتاح اسمه " لطيف " ، والهاء مفتاح اسمه هاد ، والراء مفتاح اسمه " رازق " ، والحاء مفتاح اسمه " حليم " ، والنون مفتاح اسمه " نور " ; ومعنى هذا كله دعاء الله تعالى عند افتتاح كل شيء .

الثامنة والعشرون : واختلف في وصل ( الرحيم ) ب ( الحمد لله ) ; فروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرحيم ألحمد ) يسكن الميم ويقف عليها ، ويبتدئ بألف مقطوعة . وقرأ به قوم من الكوفيين . وقرأ جمهور الناس : ( الرحيم الحمد ) تعرب الرحيم بالخفض وبوصل الألف من ( الحمد ) . وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ ( الرحيم الحمد ) ، بفتح الميم وصلة الألف ; كأنه سكنت الميم وقطعت الألف ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت . قال ابن عطية : ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت . وهذا نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى : الم الله .


الطبرى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

القول في تأويل الاستعاذة

تأويل قوله : ( أعوذ ) .

قال أبو جعفر : والاستعاذة : الاستجارة . وتأويل قول القائل : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أستجير بالله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان أن يضرني في ديني ، أو يصدني عن حق يلزمني لربي .

تأويل قوله : ( من الشيطان )

قال أبو جعفر : والشيطان ، في كلام العرب : كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء . وكذلك قال ربنا جل ثناؤه : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) [ سورة الأنعام : 112 ] ، فجعل من الإنس شياطين ، مثل الذي جعل من الجن .

وقال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ، وركب برذونا فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان! ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي .

136 - حدثنا بذلك يونس بن عبد الأعلى ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر .

قال أبو جعفر : وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا ، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله ، وبعده من الخير . وقد قيل : إنه أخذ من [ ص: 112 ] قول القائل : شطنت داري من دارك - يريد بذلك : بعدت . ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان :

نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهين

والنوى : الوجه الذي نوته وقصدته . والشطون : البعيد . فكأن الشيطان - على هذا التأويل - فيعال من شطن . ومما يدل على أن ذلك كذلك ، قول أمية بن أبي الصلت :

أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأكبال

ولو كان فعلان ، من شاط يشيط ، لقال : أيما شائط ، ولكنه قال : أيما شاطن ، لأنه من "شطن يشطن ، فهو شاطن" .

تأويل قوله : ( الرجيم ) .

وأما الرجيم فهو : فعيل بمعنى مفعول ، كقول القائل : كف خضيب ، ولحية دهين ، ورجل لعين ، يريد بذلك : مخضوبة ومدهونة وملعون . وتأويل الرجيم : الملعون المشتوم . وكل مشتوم بقول رديء أو سب فهو مرجوم . وأصل الرجم الرمي ، بقول كان أو بفعل . ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم صلوات الله عليه : ( لئن لم تنته لأرجمنك ) [ سورة مريم : 46 ] .

وقد يجوز أن يكون قيل للشيطان رجيم ، لأن الله جل ثناؤه طرده من سماواته ، ورجمه بالشهب الثواقب [ ص: 113 ]

وقد روي عن ابن عباس ، أن أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم علمه الاستعاذة .

137 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد قال : "يا محمد استعذ ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ، ثم قال : قل : "بسم الله الرحمن الرحيم " ، ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] . قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد بلسان جبريل .

فأمره أن يتعوذ بالله دون خلقه .

القول في تأويل بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله : ( بسم )

قال أبو جعفر : إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله ، ، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته ، وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه ، منه لجميع خلقه سنة يستنون بها ، وسبيلا يتبعونه عليها ، فبه افتتاح أوائل منطقهم ، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم ، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل : "بسم الله " ، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف .

وذلك أن الباء من "بسم الله " مقتضية فعلا يكون لها جالبا ، ولا فعل معها ظاهر ، فأغنت سامع القائل "بسم الله " معرفته بمراد قائله ، عن إظهار قائل ذلك مراده قولا إذ كان كل ناطق به عند افتتاحه أمرا ، قد أحضر منطقه به - إما معه ، وإما قبله بلا فصل - ما قد أغنى سامعه عن دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح قيله به . فصار استغناء سامع ذلك منه عن إظهار ما حذف منه ، نظير استغنائه - إذا سمع قائلا قيل له : ما أكلت اليوم ؟ فقال : "طعاما " - عن أن يكرر المسئول مع قوله "طعاما " ، أكلت ، لما قد ظهر لديه من الدلالة على أن ذلك معناه ، بتقدم مسألة السائل إياه عما أكل . فمعقول إذا أن قول [ ص: 115 ] القائل إذا قال : "بسم الله الرحمن الرحيم " ثم افتتح تاليا سورة ، أن إتباعه "بسم الله الرحمن الرحيم " تلاوة السورة ، ينبئ عن معنى قوله : "بسم الله الرحمن الرحيم " ومفهوم به أنه مريد بذلك : أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . وكذلك قوله : "بسم الله " عند نهوضه للقيام أو عند قعوده وسائر أفعاله ، ينبئ عن معنى مراده بقوله "بسم الله " ، وأنه أراد بقيله "بسم الله " ، أقوم باسم الله ، وأقعد باسم الله . وكذلك سائر الأفعال .

وهذا الذي قلنا في تأويل ذلك ، هو معنى قول ابن عباس الذي : -

138 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : إن أول ما نزل به جبريل على محمد ، قال : "يا محمد ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ثم قال : "قل بسم الله الرحمن الرحيم " . قال : قال له جبريل : قل بسم الله يا محمد ، يقول : اقرأ بذكر الله ربك ، وقم واقعد بذكر الله .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فإن كان تأويل قوله "بسم الله " ما وصفت ، والجالب الباء في "بسم الله " ما ذكرت ، فكيف قيل "بسم الله " ، بمعنى أقرأ باسم الله " ، أو أقوم أو أقعد باسم الله ؟ وقد علمت أن كل قارئ كتاب الله ، فبعون الله وتوفيقه قراءته ، وأن كل قائم أو قاعد أو فاعل فعلا فبالله قيامه وقعوده وفعله . وهلا - إذ كان ذلك كذلك - قيل " بالله الرحمن الرحيم " ولم يقل "بسم الله " ؟ فإن قول القائل : أقوم وأقعد بالله الرحمن الرحيم ، أو أقرأ بالله - أوضح معنى لسامعه من قوله "بسم الله " ، إذ كان قوله أقوم "أقوم أو أقعد باسم الله " ، يوهم سامعه أن قيامه وقعوده بمعنى غير الله .

قيل له ، وبالله التوفيق : إن المقصود إليه من معنى ذلك غير ما توهمته في نفسك . وإنما معنى قوله "باسم الله " : أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء ، [ ص: 116 ] أو أقرأ بتسميتي الله ، أو أقوم وأقعد بتسميتي الله وذكره - لا أنه يعني بقيله "بسم الله " : أقوم بالله ، أو أقرأ بالله ، فيكون قول القائل : أقرأ بالله ، أو أقوم أو أقعد بالله - أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله "بسم الله " .

فإن قال : فإن كان الأمر في ذلك على ما وصفت ، فكيف قيل : "بسم الله " وقد علمت أن الاسم اسم ، وأن التسمية مصدر من قولك سميت ؟

قيل : إن العرب قد تخرج المصادر مبهمة على أسماء مختلفة ، كقولهم : أكرمت فلانا كرامة ، وإنما بناء مصدر "أفعلت " - إذا أخرج على فعله - "الإفعال " . وكقولهم : أهنت فلانا هوانا ، وكلمته كلاما . وبناء مصدر : "فعلت " التفعيل . ومن ذلك قول الشاعر :

أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا

يريد : إعطائك . ومنه قول الآخر :

وإن كان هذا البخل منك سجية لقد كنت في طولي رجاءك أشعبا

يريد : في إطالتي رجاءك . ومنه قول الآخر :

أظليم إن مصابكم رجلا أهدى السلام تحية ظلم

يريد : إصابتكم . والشواهد في هذا المعنى تكثر ، وفيما ذكرنا كفاية ، لمن وفق لفهمه . [ ص: 117 ]

فإذ كان الأمر - على ما وصفنا ، من إخراج العرب مصادر الأفعال على غير بناء أفعالها - كثيرا ، وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودا فاشيا ، فبين بذلك صواب ما قلنا من التأويل في قول القائل "بسم الله " ، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول : أبدأ بتسمية الله ، قبل فعلي ، أو قبل قولي .

وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن : "بسم الله الرحمن الرحيم " ، إنما معناه : أقرأ مبتدئا بتسمية الله ، أو أبتدئ قراءتي بتسمية الله . فجعل "الاسم " مكان التسمية ، كما جعل الكلام مكان التكليم ، والعطاء مكان الإعطاء .

وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك ، روي الخبر عن عبد الله بن عباس .

139 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : "يا محمد ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ، ثم قال : "قل : بسم الله الرحمن الرحيم " .

قال ابن عباس : "بسم الله " ، يقول له جبريل : يا محمد ، اقرأ بذكر الله ربك ، وقم واقعد بذكر الله .

وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا - من أنه يراد بقول القائل مفتتحا قراءته : "بسم الله الرحمن الرحيم " : أقرأ بتسمية الله وذكره ، وأفتتح القراءة بتسمية الله ، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى - ويوضح فساد قول من زعم أن معنى ذلك من قائله : بالله الرحمن الرحيم أول كل شيء ، مع أن العباد [ ص: 118 ] إنما أمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمورهم بتسمية الله ، لا بالخبر عن عظمته وصفاته ، كالذي أمروا به من التسمية على الذبائح والصيد ، وعند المطعم والمشرب ، وسائر أفعالهم . وكذلك الذي أمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل الله ، وصدور رسائلهم وكتبهم .

ولا خلاف بين الجميع من علماء الأمة ، أن قائلا لو قال عند تذكيته بعض بهائم الأنعام "بالله " ، ولم يقل "بسم الله " ، أنه مخالف - بتركه قيل : "بسم الله " ما سن له عند التذكية من القول . وقد علم بذلك أنه لم يرد بقوله "بسم الله " "بالله " ، كما قال الزاعم أن اسم الله في قول الله : "بسم الله الرحمن الرحيم " هو الله . لأن ذلك لو كان كما زعم ، لوجب أن يكون القائل عند تذكيته ذبيحته "بالله " ، قائلا ما سن له من القول على الذبيحة . وفي إجماع الجميع على أن قائل ذلك تارك ما سن له من القول على ذبيحته - إذ لم يقل "بسم الله " - دليل واضح على فساد ما ادعى من التأويل في قول القائل : "بسم الله " ، أنه مراد به "بالله " ، وأن اسم الله هو الله .

وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم : أهو المسمى ، أم غيره ، أم هو صفة له ؟ فنطيل الكتاب به ، وإنما هذا موضع من مواضع الإبانة عن الاسم المضاف إلى الله : أهو اسم ، أم مصدر بمعنى التسمية ؟ [ ص: 119 ] فإن قال قائل : فما أنت قائل في بيت لبيد بن ربيعة :

إلى الحول ، ثم اسم السلام عليكما ، ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

فقد تأوله مقدم في العلم بلغة العرب ، أنه معني به : ثم السلام عليكما ، وأن اسم السلام هو السلام ؟

قيل له : لو جاز ذلك وصح تأويله فيه على ما تأول ، لجاز أن يقال : رأيت اسم زيد ، وأكلت اسم الطعام ، وشربت اسم الشراب; وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما ينبئ عن فساد تأويل من تأول قول لبيد : "ثم اسم السلام [ ص: 120 ] عليكما " ، أنه أراد : ثم السلام عليكما ، وادعائه أن إدخال الاسم في ذلك وإضافته إلى السلام إنما جاز ، إذ كان اسم المسمى هو المسمى بعينه .

ويسأل القائلون قول من حكينا قوله هذا ، فيقال لهم : أتستجيزون في العربية أن يقال : "أكلت اسم العسل " ، يعني بذلك : أكلت العسل ، كما جاز عندكم : اسم السلام عليك ، وأنتم تريدون : السلام عليك ؟

فإن قالوا : نعم ! خرجوا من لسان العرب ، وأجازوا في لغتها ما تخطئه جميع العرب في لغتها . وإن قالوا : لا ؛ سئلوا الفرق بينهما . فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله .

فإن قال لنا قائل : فما معنى قول لبيد هذا عندك ؟

قيل له : يحتمل ذلك وجهين ، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله .

أحدهما : أن "السلام " اسم من أسماء الله ، فجائز أن يكون لبيد عنى بقوله : "ثم اسم السلام عليكما " ، ثم الزما اسم الله وذكره بعد ذلك ، ودعا ذكري والبكاء علي; على وجه الإغراء . فرفع الاسم ، إذ أخر الحرف الذي يأتي بمعنى الإغراء . وقد تفعل العرب ذلك ، إذا أخرت الإغراء وقدمت المغرى به ، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخر . ومن ذلك قول الشاعر :

يا أيها المائح دلوي دونكا! إني رأيت الناس يحمدونكا!

فأغرى ب "دونك " ، وهي مؤخرة ، وإنما معناه : دونك دلوي . فذلك قول لبيد :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

يعني : عليكما اسم السلام ، أي : الزما ذكر الله ودعا ذكري والوجد بي ، لأن من بكى حولا على امرئ ميت فقد اعتذر . فهذا أحد وجهيه . [ ص: 121 ]

والوجه الآخر منهما : ثم تسميتي الله عليكما ، كما يقول القائل للشيء يراه فيعجبه : "اسم الله عليك " يعوذه بذلك من السوء ، فكأنه قال : ثم اسم الله عليكما من السوء ، وكأن الوجه الأول أشبه المعنيين بقول لبيد .

ويقال لمن وجه بيت لبيد هذا إلى أن معناه : ثم السلام عليكما ، أترى ما قلنا - من هذين الوجهين - جائزا ، أو أحدهما ، أو غير ما قلت فيه ؟

فإن قال : لا ! أبان مقداره من العلم بتصاريف وجوه كلام العرب ، وأغنى خصمه عن مناظرته .

وإن قال : بلى !

قيل له : فما برهانك على صحة ما ادعيت من التأويل أنه الصواب ، دون الذي ذكرت أنه محتمله - من الوجه الذي يلزمنا تسليمه لك ؟ ولا سبيل إلى ذلك .

وأما الخبر الذي : -

140 - حدثنا به إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك وهو يلقب بزبريق قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام ، عن عطية ، عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال له المعلم : اكتب "بسم " فقال له عيسى : وما "بسم " ؟ فقال له المعلم : ما أدري ! فقال عيسى : الباء بهاء الله ، والسين : سناؤه ، والميم : مملكته . [ ص: 122 ]

فأخشى أن يكون غلطا من المحدث ، وأن يكون أراد ب س م ، على سبيل ما يعلم المبتدئ من الصبيان في الكتاب حروف أبي جاد ، فغلط بذلك ، فوصله ، فقال : "بسم " ، لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تلي "بسم الله الرحمن الرحيم " ، على ما يتلوه القارئ في كتاب الله ، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها ، إذا حمل تأويله على ذلك .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( الله ) .

قال أبو جعفر : وأما تأويل قول الله تعالى ذكره "الله " ، فإنه على معنى ما روي لنا عن عبد الله بن عباس - : هو الذي يألهه كل شيء ، ويعبده كل خلق . [ ص: 123 ]

141 - وذلك أن أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : "الله " ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين .

فإن قال لنا قائل : فهل لذلك في "فعل ويفعل " أصل كان منه بناء هذا الاسم ؟

قيل : أما سماعا من العرب فلا ولكن استدلالا .

فإن قال : وما دل على أن الألوهية هي العبادة ، وأن الإله هو المعبود ، وأن له أصلا في "فعل ويفعل " .

قيل : لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل - يصف رجلا بعبادة ، وبطلب ما عند الله جل ذكره : "تأله فلان " - بالصحة ولا خلاف . ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج :

لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تألهي

يعني : من تعبدي وطلبي الله بعملي .

ولا شك أن "التأله " ، التفعل من : "أله يأله " ، وأن معنى "أله " - إذا نطق به : - عبد الله . وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب "فعل يفعل " بغير زيادة .

142 - وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع ، قال حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس : أنه قرأ " ويذرك وآلهتك " سورة الأعراف : 127 قال : عبادتك ، ويقال : إنه كان يعبد ولا يعبد . [ ص: 124 ]

143 - حدثنا سفيان ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن ابن عباس : ( ويذرك وآلهتك ) ، قال : إنما كان فرعون يعبد ولا يعبد

وكذلك كان عبد الله يقرؤها ومجاهد .

144 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : أخبرني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : قوله " ويذرك وآلهتك " قال : وعبادتك ولا شك أن الإلاهة - على ما فسره ابن عباس ومجاهد - مصدر من قول القائل : أله الله فلان إلاهة ، كما يقال : عبد الله فلان عبادة ، وعبر الرؤيا عبارة . فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا : أن "أله " عبد ، وأن "الإلاهة " مصدره .

فإن قال : فإن كان جائزا أن يقال لمن عبد الله : ألهه - على تأويل قول ابن عباس ومجاهد - فكيف الواجب في ذلك أن يقال ، إذا أراد المخبر الخبر عن استيجاب الله ذلك على عبده ؟ [ ص: 125 ]

قيل : أما الرواية فلا رواية فيه عندنا ، ولكن الواجب - على قياس ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : -

145 - حدثنا به إسماعيل بن الفضل ، حدثنا إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم اكتب "الله " فقال له عيسى : "أتدري ما الله ؟ الله إله الآلهة " .

- أن يقال ، الله جل جلاله أله العبد ، والعبد ألهه . وأن يكون قول القائل "الله " - من كلام العرب أصله "الإله " .

فإن قال : وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ، مع اختلاف لفظيهما ؟

قيل : كما جاز أن يكون قوله : ( لكنا هو الله ربي ) [ سورة الكهف : 38 ] أصله : لكن أنا ، هو الله ربي ، كما قال الشاعر :

وترمينني بالطرف ، أي أنت مذنب وتقلينني ، لكن إياك لا أقلي

يريد : لكن أنا إياك لا أقلي ، فحذف الهمزة من "أنا " فالتقت نون "أنا " "ونون "لكن " وهي ساكنة ، فأدغمت في نون "أنا " فصارتا نونا مشددة . فكذلك "الله " أصله "الإله " ، أسقطت الهمزة التي هي فاء الاسم ، فالتقت اللام التي هي عين الاسم ، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة ، فأدغمت في [ ص: 126 ] الأخرى التي هي عين الاسم ، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة ، كما وصفنا من قول الله ( لكنا هو الله ربي ) .

القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( الرحمن الرحيم ) .

قال أبو جعفر : وأما " الرحمن " ، فهو فعلان ، من رحم ، و "الرحيم " فعيل منه . والعرب كثيرا ما تبني الأسماء من "فعل يفعل " على "فعلان " ، كقولهم من غضب : غضبان ، ومن سكر : سكران ، ومن عطش : عطشان . فكذلك قولهم "رحمن " من رحم ، لأن "فعل " منه : رحم يرحم . وقيل "رحيم " ، وإن كانت عين "فعل " منها مكسورة ، لأنه مدح . ومن شأن العرب أن يحملوا أبنية الأسماء - إذا كان فيها مدح أو ذم - على "فعيل " ، وإن كانت عين "فعل " منها مكسورة أو مفتوحة ، كما قالوا من "علم " عالم وعليم ، ومن "قدر " قادر وقدير . وليس ذلك منها بناء على أفعالها ، لأن البناء من "فعل يفعل " و "فعل يفعل " فاعل . فلو كان "الرحمن والرحيم " خارجين على بناء أفعالهما لكانت صورتهما "الراحم " .

فإن قال قائل : فإذا كان الرحمن والرحيم اسمين مشتقين من الرحمة ، فما وجه تكرير ذلك ، وأحدهما مؤد عن معنى الآخر ؟

قيل له : ليس الأمر في ذلك على ما ظننت ، بل لكل كلمة منهما معنى لا تؤدي الأخرى منهما عنها .

فإن قال : وما المعنى الذي انفردت به كل واحدة منهما ، فصارت إحداهما غير مؤدية المعنى عن الأخرى ؟

قيل : أما من جهة العربية ، فلا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب ، أن قول القائل : "الرحمن " - عن أبنية الأسماء [ ص: 127 ] من "فعل يفعل " - أشد عدولا من قوله "الرحيم " . ولا خلاف مع ذلك بينهم ، أن كل اسم كان له أصل في "فعل يفعل " - ثم كان عن أصله من "فعل يفعل " أشد عدولا - أن الموصوف به مفضل على الموصوف بالاسم المبني على أصله من "فعل يفعل " ، إذا كانت التسمية به مدحا أو ذما . فهذا ما في قول القائل "الرحمن " ، من زيادة المعنى على قوله "الرحيم " في اللغة .

وأما من جهة الأثر والخبر ، ففيه بين أهل التأويل اختلاف : -

146 - فحدثني السري بن يحيى التميمي ، قال : حدثنا عثمان بن زفر ، قال : سمعت العرزمي يقول : "الرحمن الرحيم " ، قال : الرحمن بجميع الخلق ، "الرحيم" قال : بالمؤمنين .

147 - حدثنا إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد - يعني الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى ابن مريم قال : الرحمن رحمن الآخرة والدنيا ، والرحيم رحيم الآخرة " .

فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية الله جل ثناؤه باسمه الذي هو "رحمن " ، وتسميته باسمه الذي هو "رحيم " ، واختلاف معنى الكلمتين - وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق ، فدل أحدهما على أن ذلك في الدنيا ، ودل الآخر على أنه في الآخرة .

فإن قال : فأي هذين التأويلين أولى عندك بالصحة ؟ [ ص: 128 ]

قيل : لجميعهما عندنا في الصحة مخرج ، فلا وجه لقول قائل : أيهما أولى بالصحة ؟ وذلك أن المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن ، دون الذي في تسميته بالرحيم : هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه ، وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه ، إما في كل الأحوال ، وإما في بعض الأحوال . فلا شك - إذا كان ذلك كذلك - أن ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه ، في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة ، أو فيهما جميعا .

فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك - وكان الله جل ثناؤه قد خص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته ، والإيمان به وبرسله ، واتباع أمره واجتناب معاصيه ، مما خذل عنه من أشرك به ، وكفر وخالف ما أمره به ، وركب معاصيه; وكان مع ذلك قد جعل ، جل ثناؤه ، ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين ، لمن آمن به ، وصدق رسله ، وعمل بطاعته ، خالصا ، دون من أشرك وكفر به - كان بينا أن الله قد خص المؤمنين من رحمته في الدنيا والآخرة ، مع ما قد عمهم به والكفار في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم ، في البسط في الرزق ، وتسخير السحاب بالغيث ، وإخراج النبات من الأرض ، وصحة الأجسام والعقول ، وسائر النعم التي لا تحصى ، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون .

فربنا جل ثناؤه رحمن جميع خلقه في الدنيا والآخرة ، ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والآخرة . فأما الذي عم جميعهم به في الدنيا من رحمته فكان رحمانا لهم به ، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه ، كما قال جل ثناؤه : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ سورة إبراهيم : 34 ، وسورة النحل : 18 ] .

وأما في الآخرة ، فالذي عم جميعهم به فيها من رحمته ، فكان لهم رحمانا ، تسويته [ ص: 129 ] بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه ، فلا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ، وتوفى كل نفس ما كسبت . فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته ، الذي كان به رحمانا في الآخرة .

وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته ، الذي كان به رحيما لهم فيها ، كما قال جل ذكره : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) [ سورة الأحزاب : 43 ] فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم ، فخصهم به ، دون من خذله من أهل الكفر به .

وأما ما خصهم به في الآخرة ، فكان به رحيما لهم دون الكافرين ، فما وصفنا آنفا مما أعد لهم دون غيرهم من النعيم ، والكرامة التي تقصر عنها الأماني .

وأما القول الآخر في تأويله فهو ما : -

148 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : الرحمن ، الفعلان من الرحمة ، وهو من كلام العرب . قال : الرحمن الرحيم : الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه ، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه . وكذلك أسماؤه كلها .

وهذا التأويل من ابن عباس ، يدل على أن الذي به ربنا رحمن ، هو الذي به رحيم ، وإن كان لقوله "الرحمن " من المعنى ، ما ليس لقوله "الرحيم " . لأنه جعل معنى "الرحمن " بمعنى الرقيق على من رق عليه ، ومعنى "الرحيم " بمعنى الرفيق بمن رفق به .

والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن العرزمي ، أشبه بتأويله من هذا القول الذي رويناه عن ابن عباس . وإن [ ص: 130 ] كان هذا القول موافقا معناه معنى ذلك ، في أن للرحمن من المعنى ما ليس للرحيم ، وأن للرحيم تأويلا غير تأويل الرحمن .

والقول الثالث في تأويل ذلك ما : -

149 - حدثني به عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا أبو الأزهر نصر بن عمرو اللخمي من أهل فلسطين ، قال : سمعت عطاء الخراساني يقول : كان الرحمن ، فلما اختزل الرحمن من اسمه كان الرحمن الرحيم .

والذي أراد ، إن شاء الله ، عطاء بقوله هذا : أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمى بها أحد من خلقه ، فلما تسمى به الكذاب مسيلمة - وهو اختزاله إياه ، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جل ثناؤه أن اسمه "الرحمن الرحيم " ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمى بأسمائه ، إذ كان لا يسمى أحد "الرحمن الرحيم " ، فيجمع له هذان الاسمان ، غيره جل ذكره . وإنما يتسمى بعض خلقه إما رحيما ، أو يتسمى رحمن . فأما "رحمن رحيم " ، فلم يجتمعا قط لأحد سواه ، ولا يجمعان لأحد غيره . فكأن معنى قول عطاء هذا : أن الله جل ثناؤه إنما فصل بتكرير الرحيم على الرحمن ، بين اسمه واسم غيره من خلقه ، اختلف معناهما أو اتفقا .

والذي قال عطاء من ذلك غير فاسد المعنى ، بل جائز أن يكون جل ثناؤه خص نفسه بالتسمية بهما معا مجتمعين ، إبانة لها من خلقه ، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه ، مع ما في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما . [ ص: 131 ]

وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف "الرحمن " ، ولم يكن ذلك في لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : ( وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ) [ سورة الفرقان : 60 ] ، إنكارا منهم لهذا الاسم ، كأنه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته ، أو : لا ، وكأنه لم يتل من كتاب الله قول الله ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) - يعني محمدا - ( كما يعرفون أبناءهم ) [ سورة البقرة : 146 ] وهم مع ذلك به مكذبون ، ولنبوته جاحدون! فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته ، واستحكمت لديهم معرفته . وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء :

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينها

وقال سلامة بن جندل السعدي :

عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

[ ص: 132 ]

وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل ، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير ، أن "الرحمن " مجازه : ذو الرحمة ، و "الرحيم " مجازه : الراحم ، ثم قال : قد يقدرون اللفظين من لفظ والمعنى واحد ، وذلك لاتساع الكلام عندهم . قال : وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا : ندمان ونديم ، ثم استشهد ببيت برج بن مسهر الطائي :

وندمان يزيد الكأس طيبا ، سقيت وقد تغورت النجوم

واستشهد بأبيات نظائره في النديم والندمان ، ففرق بين معنى الرحمن والرحيم في التأويل لقوله : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وإن كان قد ترك بيان تأويل معنييهما على صحته . ثم مثل ذلك باللفظين يأتيان بمعنى واحد ، فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين ، فجعله مثال ما هو بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ .

ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثبت أن له الرحمة ، وصح أنها له صفة; وأن الراحم هو الموصوف بأنه سيرحم ، أو قد رحم فانقضى ذلك منه ، أو هو فيه .

ولا دلالة له فيه حينئذ أن الرحمة له صفة ، كالدلالة على أنها له صفة ، إذا وصف بأنه ذو الرحمة . فأين معنى "الرحمن الرحيم " على تأويله ، من معنى الكلمتين تأتيان مقدرتين من لفظ واحد باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني ؟ ولكن القول إذا كان غير أصل معتمد عليه ، كان واضحا عواره .

وإن قال لنا قائل : ولم قدم اسم الله الذي هو "الله " ، على اسمه الذي هو "الرحمن " ، واسمه الذي هو "الرحمن " ، على اسمه الذي هو "الرحيم " ؟

قيل : لأن من شأن العرب ، إذا أرادوا الخبر عن مخبر عنه ، أن يقدموا اسمه ، ثم يتبعوه صفاته ونعوته . وهذا هو الواجب في الحكم : أن يكون الاسم مقدما قبل نعته وصفته ، ليعلم السامع الخبر ، عمن الخبر . فإذا كان ذلك كذلك - [ ص: 133 ] وكان لله جل ذكره أسماء قد حرم على خلقه أن يتسموا بها ، خص بها نفسه دونهم ، وذلك مثل "الله " و "الرحمن " و "الخالق "; وأسماء أباح لهم أن يسمي بعضهم بعضا بها ، وذلك : كالرحيم والسميع والبصير والكريم ، وما أشبه ذلك من الأسماء - كان الواجب أن تقدم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه ، ليعرف السامع ذلك من توجه إليه الحمد والتمجيد ، ثم يتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره ، بعد علم المخاطب أو السامع من توجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني . فبدأ الله جل ذكره باسمه لأن الألوهية ليست لغيره جل ثناؤه من وجه من الوجوه ، لا من جهة التسمي به ، ولا من جهة المعنى . وذلك أنا قد بينا أن معنى "الله " تعالى ذكره المعبود ، ولا معبود غيره جل جلاله ، وأن التسمي به قد حرمه الله جل ثناؤه ، وإن قصد المتسمي به ما يقصد المتسمي بسعيد وهو شقي ، وبحسن وهو قبيح .

أولا ترى أن الله جل جلاله قال في غير آية من كتابه : ( أإله مع الله ) فاستكبر ذلك من المقر به ، وقال تعالى في خصوصه نفسه بالله وبالرحمن : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ سورة الإسراء : 110 ] . ثم ثنى باسمه ، الذي هو الرحمن ، إذ كان قد منع أيضا خلقه التسمي به ، وإن كان من خلقه من قد يستحق تسميته ببعض معانيه . وذلك أنه قد يجوز وصف كثير ممن هو دون الله من خلقه ، ببعض صفات الرحمة . وغير جائز أن يستحق بعض الألوهية أحد دونه . فلذلك جاء الرحمن ثانيا لاسمه الذي هو "الله " .

وأما اسمه الذي هو "الرحيم " فقد ذكرنا أنه مما هو جائز وصف غيره به . والرحمة من صفاته جل ذكره ، فكان - إذ كان الأمر على ما وصفنا - واقعا مواقع نعوت الأسماء اللواتي هن توابعها ، بعد تقدم الأسماء عليها . فهذا وجه تقديم اسم الله [ ص: 133 ] الذي هو "الله " ، على اسمه الذي هو "الرحمن " ، واسمه الذي هو "الرحمن " على اسمه الذي هو "الرحيم " .

وقد كان الحسن البصري يقول في "الرحمن " مثل ما قلنا ، أنه من أسماء الله التي منع التسمي بها العباد .

150 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : "الرحمن " اسم ممنوع .

مع أن في إجماع الأمة من منع التسمي به جميع الناس ، ما يغني عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بقول الحسن وغيره


ابن عاشور : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

البسملة اسم لكلمة باسم الله، صيغ هذا الاسم على مادَّةٍ مؤلفة من حروف الكلمتين (باسم) و (الله) على طريقة تسمى النَّحْت، وهو صوغ فعلِ مُضِيٍ على زنة " فَعْلَل " مؤلفةٍ مادِّتُه من حروف جملة أو حروفِ مركَّب إِضَافِيَ، مما ينطق به الناس اختصاراً عن ذكر الجملة كلها لقصد التخفيف لكثرة دوران ذلك على الألسنة. وقد استعمل العرب النحت في النَّسَب إلى الجملة أو المركب إذا كان في النسبِ إلى صدر ذلك أو إلى عَجزه التباس، كما قالوا في النسبة إلى عبد شمس - عَبْشَمِيّ - خشية الالتباس بالنسب إلى عبدٍ أو إلى شمس، وفي النسبة إلى عبد الدار - عَبْدَرِيّ - كذلك وإلى حضرموت حضرمي قال سيبويه في باب الإضافة (أي النسَب) إلى المضاف من الأسماء: «وقد يجعلون للنسب في الإضافة اسماً بمنزلة جَعْفَري ويجعلون فيه من حروف الأول والآخر ولا يخرجونه من حروفهما ليُعْرَف» ا هـ، فجاء من خلفهم من مولدي العرب واستعملوا هذه الطريقة في حكاية الجمل التي يكثر دورانها في الألسنة لقصد الاختصار، وذلك من صدر الإسلام فصارت الطريقة عربية. قال الراعي:قَومٌ على الإسلام لَمَّا يمنعوا ما عونَهم ويُضيِّعوا التَهْلِيلاأي لم يتركوا قول: لا إلٰه إلا الله. وقال عُمر بن أبي ربيعة:لقد بسملت ليلَى غداةَ لقيتُها ألا حَبَّذا ذاك الحبيبُ المُبَسْمِلُأي قالت بسم الله فَرَقاً منه، فأصل بسمل قال: بسم الله ثم أطلقه المولدون على قول: بسم الله الرحمٰن الرحيم، اكتفاء واعتماداً على الشهرة وإن كان هذا المنحوتُ خِليَّاً من الحاء والراء اللذين هما من حروف الرحمان الرحيم، فشاع قولهم بسمل في معنى قال بسم الله الرحمٰن الرحيم، واشتق من فعل بسمل مصدر هو " البسملة " كما اشتق من هَلَّل مصدر هو " الهيللة " وهو مصدر قياسي لفعلل. واشتق منه اسم فاعل في بيت عمر بن أبي ربيعة ولم يسمع اشتقاق اسم مفعول.ورأيت في «شرح ابن هارون التونسي على مختصر ابن الحاجب» في باب الأذان عن المطرز في كتاب «اليواقيت»: الأفعالُ التي نحتت من أسمائها سبعة: بَسْمَلَ في بسم الله، وسَبْحَلَ في سبحان الله، وحَيْعَلَ في حي على الصلاة، وحَوْقَلَ في لا حول ولا قوة إلا بالله، وحَمْدَلَ في الحمدُ لله، وهَلَّل في لا إلٰه إلا الله، وجَيْعَل إذا قال: جُعلت فِداك، وزاد الطَّيْقَلَة في أَطال الله بقاءك، والدَّمْعَزَةَ في أدام الله عزك.ولَما كان كثير من أيمة الدين قائلاً بأنها آية من أوائل جميع السور غير براءة أو بعض السور تعين على المفسر أن يفسر معناها وحكمها وموقعها عند من عدوها آية من بعض السور.وينحصر الكلام عليها في ثلاثة مباحث. الأول: في بيان أهي آية من أوائل السور أم لا؟. الثاني: في حكم الابتداء بها عند القراءة. الثالث في تفسير معناها المختص بها.فأما المبحث الأول فهو أن لا خلاف بين المسلمين في أن لفظ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } هو لفظ قرآني لأنه جزء آية من قوله تعالى:{ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمٰن الرحيم }[النمل: 30] كما أنهم لم يختلفوا في أن الافتتاح بالتسمية في الأمور المهمة ذوات البال ورد في الإسلام، وروي فيه حديث: " كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بسم الله الرحمٰن الرحيم فهو أقطع " لم يروه أصحاب «السنن» ولا «المستدركات»، وقد وصف بأنه حسن، وقال الجمهور إن البسملة رسمها الذين كتبوا المصاحف في أوائل السور ما عدا سورة براءة، كما يؤخذ من محادثة ابن عباس مع عثمان، وقد مضت في المقدمة الثامنة، ولم يختلفوا في أنها كتبت في المصحف في أول سورة الفاتحة وذلك ليس موضع فصل السورة عما قبلها، وإنما اختلفوا في أن البسملة هل هي آية من سورة الفاتحة ومن أوائل السور غير براءة، بمعنى أن الاختلاف بينهم ليس في كونها قرآناً، ولكنه في تكرر قرآنيتها كما أشار إليه ابن رشد الحفيد في «البداية»، فذهب مالك والأوزاعي وفقهاء المدينة والشام والبصرة - وقيل باستثناء عبد الله بن عمرو ابن شهاب من فقهاء المدينة - إلى أنها ليست بآية من أوائل السور لكنها جزء آية من سورة النمل، وذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وفقهاء مكة والكوفة غير أبي حنيفة، إلى أنها آية في أول سورة الفاتحة خاصة، وذهب عبد الله بن مبارك والشافعي في أحد قوليه وهو الأصح عنه إلى أنها آية من كل سورة. ولم ينقل عن أبي حنيفة من فقهاء الكوفة فيها شيء، وأخذ منه صاحب «الكشاف» أنها ليست من السور عنده فعَدَّه في الذين قالوا بعدم جزئيتها من السور وهو الصحيح عنه. قال عبد الحكيم لأنه قال بعدم الجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية وكره قراءتها في أوائل السور الموصولة بالفاتحة في الركعتين الأوليين. وأَزِيدُ فأقول إنه لم ير الاقتصار عليها في الصلاة مجزئاً عن القراءة.أما حجة مذهب مالك ومن وافقه فلهم فيها مسالك: أحدها من طريق النظر، والثاني من طريق الأثر، والثالث من طريق الذوق العربي.فأما المسلك الأول: فللمالكية فيه مقالة فائقة للقاضي أبي بكر الباقلاني وتابَعَه أبو بكر ابن العربي في «أحكام القرآن» والقاضي عبد الوهاب في كتاب «الإشراف»، قال الباقلاني: «لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد، والأول: باطل لأنه لوثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك ولامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأُمَّة، والثاني: أيضاً باطل لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن فلو جعلناه طريقاً إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، ولصار ذلك ظنياً، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف» ا هـ وهو كلام وجيه والأقيسة الاستثنائية التي طواها في كلامه واضحة لمن له ممارسة للمنطق وشرطياتها لا تحتاج للاستدلال لأنها بديهية من الشريعة فلا حاجة إلى بسطها.زاد أبو بكر بن العربي في «أحكام القرآن» فقال: يكفيك أنها ليست من القرآن الاختلافُ فيها، والقرآن لا يُختلف فيه ا هـ. وزاد عبد الوهاب فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين القرآن بياناً واحداً متساوياً ولم تكن عادته في بيانه مختلفة بالظهور والخفاء حتى يختص به الواحد والاثنان؛ ولذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا وأبطلنا قول الرافضة إن القرآن حِمْل جَمَل عند الإمام المعصوم المنتظر فلو كانت البسملة من الحمد لبيّنها رسول الله بياناً شافياً» ا هـ. وقال ابن العربي في «العارضة»: إن القاضي أبا بكر بن الطيب، لم يتكلم من الفقه إلا في هذه المسألة خاصة لأنها متعلقة بالأصول.وقد عارض هذا الدليل أبو حامد الغزالي في «المستصفى» فقال: «نُفي كون البسملة من القرآن أيضاً إن ثبت بالتواتر لزم أن لا يبقى الخلاف (أي وهو ظاهر البطلان) وإن ثبت بالآحاد يصير القرآن ظنياً، قال: ولا يقال: إن كون شيء ليس من القرآن عدم والعدم لا يحتاج إلى الإثبات لأنه الأصل بخلاف القول بأنها من القرآن، لأنّا نجيب بأن هذا وإن كان عدماً إلا أن كون التسمية مكتوبة بخط القرآن يوهن كونها ليست من القرآن فهٰهنا لا يمكننا الحكم بأنها ليست من القرآن إلا بالدليل ويأتي الكلام في أن الدليل ما هو، فثبت أن الكلام الذي أورده القاضي لازم عليه ا هـ، وتبعه على ذلك الفخر الرازي في «تفسيره» ولا يخفى أنه آل في استدلاله إلى المصادرة إذ قد صار مرجع استدلال الغزالي وفخر الدين إلى رسم البسملة في المصاحف، وسنتكلم عن تحقيق ذلك عند الكلام على مدرك الشافعي. وتعقب ابن رشد في «بداية المجتهد» كلام الباقلاني والغزالي بكلام غير محرر فلا نطيل به.وأما المسلك الثاني: وهو الاستدلال من الأثر فلا نجد في صحيح السنة ما يشهد بأن البسملة آية من أوائل سور القرآن والأدلة ستة:الدليل الأول: ما روى مالك في «الموطأ» عن العلاء بن عبد الرحمٰن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى قسمت الصلاة نصفين بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد: { الحمد لله رب العالمين } ، فأقول: حمدني عبدي " الخ، والمراد في الصلاة القراءة في الصلاة ووجه الدليل منه أنه لم يذكر بسم الله الرحمٰن الرحيم.الثاني: حديث أُبيّ بن كعب في «الموطأ» و«الصحيحين» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " ألا أعلمك سورة لم يُنْزَل في التوراة ولا في الإنجيل مثُلها قبل أن تخرج من المسجد " قال: بلى، فلما قارب الخروج قال له: كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال أبيٌّ فقرأت { الحمد لله رب العالمين } حتى أتيت على آخرها، فهذا دليل على أنه لم يقرأ منها البسملة.الثالث: ما في «صحيح مسلم» و«سنن أبي داود» و«سنن النسائي» عن أنس بن مالك من طرق كثيرة أنه قال: صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون (بسم الله الرحمٰن الرحيم)، لا في أول قراءة ولا في آخرها.الرابع: حديث عائشة في «صحيح مسلم» و«سنن أبي داود» قالت: كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةَ بالحمد لله رب العالمين.الخامس: ما في «سنن الترمذي والنسائي» عن عبد الله بن مغفل قال: صليت مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقول: (بسم الله الرحمٰن الرحيم)، إذا أنت صليت فقل { الحمد لله رب العالمين }.السادس - وهو الحاسم -: عمل أهل المدينة، فإن المسجد النبوي من وقت نزول الوحي إلى زمن مالك صلى فيه رسول الله والخلفاء الراشدون والأمراء وصلى وراءهم الصحابة وأهل العلم ولم يسمع أحد قرأ (بسم الله الرحمٰن الرحيم) في الصلاة الجهرية، وهل يقول عالم أن بعض السورة جهر وبعضها سر، فقد حصل التواتر بأن النبي والخلفاء لم يجهروا بها في الجهرية، فدل على أنها ليست من السورة ولو جهروا بها لما اختلف الناس فيها.وهناك دليل آخر لم يذكروه هنا وهو حديث عائشة في بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتبر مرفوعاً إلى النبي، وذلك قوله: «ففَجِئَه الملَك فقال: اقرأ قال رسول الله فقلت ما أنا بقارىء ــــ إلى أن قال ــــ فغطني الثالثة ثم قال:{ اقرأ باسم ربك الذي خلق }[العلق: 1] الحديث. فلم يقل فقال لي بسم الله الرحمٰن الرحيم { اقرأ بسم ربك } ، وقد ذكروا هذا في تفسير سورة العلق وفي شرح حديث بدء الوحي.وأما المسلك الثالث وهو الاستدلال من طريق الاستعمال العربي فيأتي القول فيه على مراعاة قول القائلين بأن البسملة آية من سورة الفاتحة خاصة، وذلك يوجب أن يتكرر لفظان وهما { الرحمٰن الرحيم } في كلام غير طويل ليس بينهما فصل كثير وذلك مما لا يحمد في باب البلاغة، وهذا الاستدلال نقله الإمام الرازي في «تفسيره» وأجاب عنه بقوله: إن التكرار لأجل التأكيد كثير في القرآن وإن تأكيد كونه تعالى رحماناً رحيماً من أعظم المهمات.وأَنَا أَدْفع جوابه بأن التكرار وإن كانت له مواقع محمودة في الكلام البليغ مثل التهويل، ومقام الرثاء أو التعديد أو التوكيد اللفظي، إلا أن الفاتحة لا مناسبة لها بأغراض التكرير ولا سيما التوكيد لأنه لا منكر لكونه تعالى رحماناً رحيماً، ولأن شأن التوكيد اللفظي أن يقترن فيه اللفظان بلا فصل فتعين أنه تكرير اللفظ في الكلام لوجود مقتضى التعبير عن مدلوله بطريق الاسم الظاهر دون الضمير، وذلك مشروط بأن يبعد ما بين المكرَّرَيْن بُعداً يقصيه عن السمع، وقد علمتَ أنهم عدوا في فصاحة الكلام خلوصه من كثرة التكرار، والقربُ بين الرحمٰن والرحيم حين كررا يمنع ذلك.وأجاب البيضاوي بأن نكتة التكرير هنا هي تعليل استحقاق الحمد، فقال السلكوتي أشار بهذا إلى الرد على ما قاله بعض الحنفية: إن البسملة لو كانت من الفاتحة للزم التكرار وهو جواب لا يستقيم لأنه إذا كان التعليل قاضياً بذكر صفتي { الرحمٰن الرحيم } فدفع التكرير يقتضي تجريد البسملة التي في أول الفاتحة من هاتين الصفتين بأن تصير الفاتحة هكذا: (بسم الله الحمد لله الخ).وأنا أرى في الاستدلال بمسلك الذوق العربي أن يكون على مراعاة قول القائلين بكون البسملة آية من كل سورة فينشأ من هذا القولِ أَنْ تكون فواتح سور القرآن كلُّها متماثلة وذلك مما لا يحمد في كلام البلغاء إذ الشأن أن يقع التفنن في الفواتح، بل قد عد علماء البلاغة أَهَمَّ مواضع التأنق فاتحةَ الكلام وخاتمتَه، وذكروا أن فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن وجوه البيان وأكملها فكيف يسوغ أن يُدَّعَى أَن فواتح سوره جملةٌ واحدة، مع أن عامة البلغاء من الخطباء والشعراء والكتاب يتنافسون في تفنن فواتح منشآتهم ويعيبون من يلتزم في كلامه طريقة واحدة فما ظنك بأبلغ كلام.وأما حجة مذهب الشافعي ومن وافقه بأنها آية من سورة الفاتحة خاصة فأمور كثيرة أنهاها فخر الدين إلى سبع عشرة حجة لا يكاد يستقيم منها بعد طرح المتداخل والخارج عن محل النزاع وضعيف السند أو واهيه إلا أمران: أحدهما أحاديث كثيرة منها ما روى أبو هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن { بسم الله الرحمٰن الرحيم } " وقول أم سلمة قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتحة وعدَّ: { بسم الله الرحمٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين } آية. الثاني: الإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله.والجواب: أما عن حديث أبي هريرة فهو لم يخرجه أحد من رجال الصحيح إنما خرجه الطبراني وابن مردويه والبيهقي فهو نازل عن درجة الصحيح فلا يعارض الأحاديث الصحيحة، وأما حديث أم سلمة فلم يخرجه من رجال الصحيح غير أبي داود وأخرجه أحمد بن حنبل والبيهقي، وصحح بعض طرقه وقد طعن فيه الطحاوي بأنه رواه ابن أبي مليكة، ولم يثبت سماع ابن أبي مليكة من أم سلمة، يعني أنه مقطوع، على أنه روى عنها ما يخالفه، على أن شيخ الإسلام زكرياء قد صرح في «حاشيته على تفسير البيضاوي» بأنه لم يرو باللفظ المذكور وإنما روي بألفاظ تدل على أن { بسم الله } آية وحدها، فلا يؤخذ منه كونها من الفاتحة، على أن هذا يفضي إلى إثبات القرآنية بغير المتواتر وهو ما يأباه المسلمون.وأما عن الإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله، فالجواب أنه لا يقتضي إلا أن البسملة قرآن وهذا لانزاع فيه، وأما كون المواضع التي رسمت فيها في المصحف مما تجب قراءتها فيها، فذلك أمر يتبع رواية القراء وأخبار السنة الصحيحة فيعود إلى الأدلة السابقة.وهذا كله بناء على تسليم أن الصحابة لم يكتبوا أسماء السور وكونها مكية أو مدنية في المصحف وأن ذلك من صنع المتأخرين وهو صريح كلام عبد الحكيم في «حاشية البيضاوي»، وأما إذا ثبت أن بعض السلف كتبوا ذلك كما هو ظاهر كلام المفسرين والأصوليين والقراء كما في «لطائف الإشارات» للقسطلاني وهو مقتضى كتابة المتأخرين لذلك لأنهم ما كانوا يجرأون على الزيادة على ما فعله السلف فالاحتجاج حينئذٍ بالكتابة باطل من أصله ودعوى كون أسماء السور كتبت بلون مخالف لحِبْر القرآن، يرده أن المشاهد في مصاحف السلف أن حبرها بلون واحد ولم يكن التلوين فاشياً.وقد احتج بعضهم بما رواه البخاري عن أنس أنه سئل كيف كانت قراءة النبي؟ فقال كانت مدًّا ثم قرأ { بسم الله الرحمٰن الرحيم } يمد { بسم الله } ويمد بالرحمٰن ويمد بالرحيم، ا هـ، ولا حجة في هذا لأن ضمير قرأ وضمير يمد عائدان إلى أنس، وإنما جاء بالبسملة على وجه التمثيل لكيفية القراءة لشهرة البسملة.وحجةُ عبد الله بن المبارك وثاني قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال: «بينا رسول الله بين أظهرنا ذات يوم إذْ أغفَى إِغفَاءَةً ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليَّ سورة آنفاً فقرأ بسم الله الرحمٰن الرحيم{ إنا أعطيناك الكوثر }[الكوثر: 1] السورة، قالوا وللإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله ولإثبات الصحابة إياها في المصاحف مع حرصهم على أن لا يدخلوا في القرآن ما ليس منه ولذلك لم يكتبوا (آمين) في الفاتحة.والجواب عن الحديث أنا نمنع أن يكون قرأ البسملة على أنها من السورة بل افتتح بها عند إرادة القراءة لأنها تغني عن الاستعاذة إذا نوى المبسمل تقديرَ أستعيذ باسم الله وحذَفَ متعلق الفعل، ويتعين حمله على نحو هذا لأن راويه أنساً بن مالك جزم في حديثه الآخر أنه لم يسمع رسول الله بسمل في الصلاة.فإن أبوا تأويله بما تأولناه لزم اضطراب أنس في روايته اضطراباً يوجب سقوطها.والحق البين في أمر البسملة في أوائل السور، أنها كتبت للفصل بين السور ليكون الفصل مناسباً لابتداء المصحف، ولئلا يكون بلفظ من غير القرآن، وقد روى أبو داود في «سننه» والترمذي وصححه عن ابن عباس أنه قال: قلت لعثمان بن عفان: «ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموهما في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطراً بسم الله الرحمٰن الرحيم»، قال عثمان كان النبي لما تنزل عليه الآياتُ فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له ضع هذه الآية بالسورة التي يذكر فيها كذا وكذا، أو تنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك، وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما أنزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فقُبِض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها، فظننتُ أنها منها، فمن هناك وضعتُها في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمٰن الرحيم».وأرى في هذا دلالة بينة على أن البسملة لم تكتب بين السور غيرِ الأنفال وبراءةَ إلا حينَ جُمع القرآن في مصحف واحد زمن عثمان، وأنها لم تكن مكتوبة في أوائل السور في الصحف التي جمعها زيد بن ثابت في خلافة أبي بكر إذ كانت لكل سورة صحيفة مفردة كما تقدم في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.وعلى أن البسملة مختلف في كونها آية من أول كل سورة غيرِ براءة، أو آية من أول سورة الفاتحة فقط، أو ليست بآية من أول شيء من السور؛ فإن القراء اتفقوا على قراءة البسملة عند الشروع في قراءة سورة من أولها غير براءة. ورووا ذلك عمن تلقَّوْا، فأما الذين منهم يروون اجتهاداً أو تقليداً أن البسملة آية من أول كل سورة غيرِ براءة، فأمرهم ظاهر، وقراءة البسملة في أوائل السور واجبة عندهم لا محالة في الصلاة وغيرها، وأما الذين لا يروون البسملة آية من أوائل السور كلها أو ما عدا الفاتحة فإن قراءتهم البسملة في أول السورة عند الشروع في قراءة سورة غير مسبوقة بقراءة سورة قبلها تُعلَّل بالتيمن باقتفاء أثر كُتَّاب المصحف، أي قصد التشبُه في مجرد ابتداء فعل تشبيهاً لابتداء القراءة بابتداء الكتابة. فتكون قراءتهم البسملة أمراً مستحباً للتأسي في القراءة بما فعله الصحابة الكاتبون للمصحف، فقراءة البسملة عند هؤلاء نظير النطْق بالاستعاذة ونظير التهليل والتكبير بين بعض السور مِن آخر المفصَّل، ولا يبسملون في قراءة الصلاة الفريضة، وهؤلاء إذا قرأوا في صلاة الفريضة تجري قراءتهم على ما انتهى إليه فهمهم من أمر البسملة من اجتهاد أو تقليد.وبهذا تعلم أنه لا ينبغي أن يؤخذ من قراءتهم قولٌ لهم بأن البسملة آية من أول كل سورة كما فعل صاحب «الكشاف» والبيضاوي.واختلفوا في قراءة البسملة في غير الشروع في قراءة سورةٍ من أولها، أي في قراءة البسملة بين السورتين.فورد عن نافع في أشهر الروايات عنه وابنُ عامر، وأبو عمرو، وحمزة، ويعقوبُ، وخلف، لا يبسملون بين السورتين وذلك يعلل بأن التشبُّه بفعل كتَّاب المصحف خاص بالابتداء، وبحملهم رسمَ البسملة في المصحف على أنه علامة على ابتداء السورة لا على الفصل، إذ لو كانت البسملة علامة على الفصل بين السورة والتي تليها لما كتبت في أول سورة الفاتحة، فكان صنيعُهم وجيهاً لأنهم جمعوا بين ما روَوه عن سلفهم وبين دليلِ قصد التيمن، ودليل رأيهم أن البسملة ليست آية من أول كل سورة.وقالون عن نافع وابنُ كثير وعاصمٌ والكسائي وأبو جعفر يبسملون بين السورتين سوى ما بين الأنفال وبراءة، وعدوه من سنة القراءة، وليس حظهم في ذلك إلا اتباع سلفهم، إذ ليس جميعهم من أهل الاجتهاد، ولعلهم طردوا قصد التيمن بمشابهة كُتَّاب المصحف في الإشعار بابتداء السورة والإشعار بانتهاء التي قبلها.واتفق المسلمون على ترك البسملة في أول سورة براءة وقد تبين وجه ذلك آنفاً، ووجَّهه الأئمة بوجوه أخر تأتي في أول سورة براءة، وذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» أن مُؤرِّجاً السَّدُوسي البصري سمع رجلاً يقول: «أميرُ المؤمنين يَرُدُّ على المظلوم» فرجع مؤرج إلى مُصحفه فردَّ على براءة بسم الله الرحمٰن الرحيم، ويحمل هذا الذي صنعه مُؤَرج - إن صح عنه - نما هو على التمليح والهزل وليس على الجد.وفي هذا ما يدل على أن اختلاف مذاهب القراء في قراءة البسملة في مواضع من القرآن ابتداء ووصلاً كما تقدم لا أثر له في الاختلاف في حكم قراءتها في الصلاة، فإن قراءتها في الصلاة تجري على أحكام النظر في الأدلة، وليست مذاهب القراء بمعدودة من أدلة الفقه، وإنما قراءاتهم روايات وسنة متبعة في قراءة القرآن دون استناد إلى اعتبار أحكام رواية القرآن من تواتر ودونه، ولا إلى وجوب واستحباب وتخيير، فالقارىء يقرأ كما روى عن معلميه ولا ينظر في حكم ما يقرأه من لزوم كونه كما قرأ أو عدم اللزوم، فالقراء تجري أعمالهم في صلاتهم على نزعاتهم في الفقه من اجتهاد وتقليد، ويوضح غلط من ظن أن خلاف الفقهاء في إثبات البسملة وعدمه مبني على خلاف القراء، كما يوضح تسامح صاحب «الكشاف» في عده مذاهب القراء في نسق مذاهب الفقهاء. وإنما اختلف المجتهدون لأجل الأدلة التي تقدم بيانها، وأما الموافقة بينهم وبين قراء أمصارهم غالباً في هاته المسألة فسببه شيوع القول بين أهل ذلك العصر بما قال به فقهاؤه في المسائل، أو شيوع الأدلة التي تلقاها المجتهدون من مشائخهم بين أهل ذلك العصر ولو من قبل ظهور المجتهد مثل سَبْق نافِعِ بن أبي نعيم إلى عدم ذكر البسملة قبل أن يقول مالك بعدم جزئيتها؛ لأن مالكاً تلقى أدلة نفيِ الجزئية عن علماء المدينة وعنهم أو عن شيوخهم تلقى نافع بن أبي نعيم، وإذ قد كنا قد تقلدنا مذهب مالك واطمأننا لمداركه في انتفاء كون البسملة آية من أول سورة البقرة كان حقاً علينا أن لا نتعرض لتفسيرها هنا وأن نرجئه إلى الكلام على قوله تعالى في سورة النمل (30):{ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمٰن الرحيم }غير أننا لما وجدنا من سلفنا من المفسرين كلهم لم يهملوا الكلام على البسملة في هذا الموضع اقتفينا أثرهم إذ صار ذلك مصطلح المفسرين.واعلم أن متعلق المجرور في { بسم الله } محذوف تقديره هنا أقرأ، وسبب حذف متعلق المجرور أن البسملة سنت عند ابتداء الأعمال الصالحة فَحُذف متعلق المجرور فيها حذفاً ملتزماً إيجازاً اعتماداً على القرينة، وقد حكى القرآن قول سحرة فرعون عند شروعهم في السحر بقوله:{ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون }[الشعراء: 44] وذكر صاحب «الكشاف» أن أهل الجاهلية كانوا يقولون في ابتداء أعمالهم: «باسم اللاتِ باسم العُزَّى» فالمجرور ظرف لغو معمول للفعل المحذوف ومتعلق به وليس ظرفاً مستقراً مثل الظروف التي تقع أخباراً، وَدليل المتعلق ينبىء عنه العمل الذي شُرع فيه فتعين أن يكون فعلاً خاصاً من النوع الدال على معنى العمل المشروع فيه دون المتعلِّق العام مثل: أبتَدِىء لأن القرينة الدالة على المتعلق هي الفعل المشروع فيه المبدوء بالبسملة فتعين أن يكون المقدر اللفظ الدال على ذلك الفعل، ولا يجري في هذا الخلاف الواقع بين النحاة في كون متعلق الظروف هل يقدر اسماً نحو كائن أو مُستقر أم فعلاً نحو كان أو استقر لأن ذلك الخلاف في الظروف الواقعة أخباراً أو أحوالاً بناء على تعارض مقتضى تقدير الاسم وهو كونه الأصل في الأخبار والحالية، ومقتضى تقدير الفعل وهو كونه الأصل في العمل لأن ما هنا ظرف لغو، والأصل فيه أن يعدى الأفعال ويتعلق بها، ولأن مقصد المبتدىء بالبسملة أن يكون جميع عمله ذلك مقارناً لبركة اسم الله تعالى فلذلك ناسب أن يقدر متعلق الجار لفظاً دالاً على الفعل المشروع فيه. وهو أنسب لتعميم التيمن لإجزاء الفعل، فالابتداء من هذه الجهة أقل عموماً، فتقدير الفعل العام يخصص وتقدير الفعل الخاص يعمم وهذا يشبه أن يلغز به. وهذا التقدير من المقدرات التي دلت عليها القرائن كقول الداعي للمُعَرِّس «بالرفاء والبنين» وقول المسافر عند حلوله وترحاله «باسم الله والبركات» وقول نساء العرب عندما يَزفُفْنَ العروس «باليُمْنِ والبركة وعلَى الطائر الميمون» ولذلك كان تقدير الفعل هٰهنا واضحاً.وقد أسعف هذا الحذف بفائدة وهي صلوحية البسملة ليَبتَدِىءَ بها كلُّ شارع في فعل فلا يلجأ إلى مخالفة لفظ القرآن عند اقتباسه، والحذف هنا من قبيل الإيجاز لأنه حذف ما قد يصرح به في الكلام، بخلاف متعلقات الظروف المستقرة نحو عندك خير، فإنهم لا يظهرون المتعلق فلا يقولون خير كائن عندك ولذلك عدوا نحو قوله:فإنك كالليل الذي هو مُدركي من المساواة دون الإيجاز (يعني مع ما فيه من حذف المتعلق). وإذ قد كان المتعلق محذوفاً تعين أن يقدر في موضعه متقدِّماً على المتعلِّق به كما هو أصل الكلام؛ إذ لا قصد هنا لإفادة البسملة الحَصر، ودعوى صاحب «الكشاف» تقديره مُؤخراً تعمق غير مقبول، لا سيما عند حالة الحذف، فالأنسب أن يقدر على حسب الأصل.والباء باء الملابسة والملابسة، هي المصاحبة، وهي الإلصاق أيضاً فهذه مترادفات في الدلالة على هذا المعنى وهي كما في قوله تعالى:{ تنبت بالدهن }[المؤمنون: 20] وقولهم: «بالرفاء والبنين» وهذا المعنى هو أكثر معاني الباء وأشهرها، قال سيبويه: الإلصاق لا يفارق الباء وإليه ترجع تصاريف معانيها ولذلك قال صاحب «الكشاف»: «وهذا الوجه (أي الملابسة) أعْرَبُ وأحسن» أي أحسن من جعل الباء للآلة أي أدخل في العربية وأحسن لما فيه من زيادة التبرك بملابسة جميع أجزاء الفعل لاسمه تعالى.والاسم لفظ جُعِل دالاً على ذات حسية أو معنوية بشخصها أو نوعها، وجعله أئمة البصرة مشتقاً من السمو وهو الرفعة لأنها تتحقق في إطلاقات الاسم ولو بتأويل فإن أصل الاسم في كلام العرب هو العلم ولا توضع الأعلام إلا لشيء مهتم به، وهذا اعتداد بالأصل والغالب، وإلا فقد توضع الأعلام لغير ما يهتم به كما قالوا فَجَارِ علم للفَجْرة. فأصل صيغته عند البصريين من الناقص الواوي فهو إما سِمْو بوزن حِمْل، أو سُمْو بوزن قفل فحذفت اللام حذفاً لمجرد التخفيف أو لكثرة الاستعمال ولذلك جرى الإعراب على الحرف الباقي، لأنه لو حذفت لامه لعلة صرفية لكان الإعراب مقدراً على الحرف المحذوف كما في نحو قاضٍ وجَوارٍ، فلما جرى الإعراب على الحرف الباقي الذي كان ساكناً نقلوا سكونه للمتحرك وهو أول الكلمة وجلبوا همزة الوصل للنطق بالساكن؛ إذ العرب لا تستحسن الابتداء بحرف ساكن لابتناء لغتهم على التخفيف، وقد قضوا باجتلاب الهمزة وطراً ثانياً من التخفيف وهوعود الكلمة إلى الثلاثي لأن الأسماء التي تبقى بالحذف على حرفين كيدٍ ودمٍ لا تخلو من ثِقل، وفي هذا دليل على أن الهمزة لم تجتلب لتعويض الحرف المحذوف وإلا لاجتلبوها في يدٍ ودمٍ وغدٍ.وقد احتجوا على أن أصله كذلك بجمعه على أسماء بوزن أفعال، فظهرت في آخره همزة وهي منقلبة عن الواو المتطرفة إثر ألف الجمع، وبأنه جمع على أساميّ وهو جمع الجمع بوزن أفاعيل بإدغام ياء الجمع في لام الكلمة ويجوز تخفيفها كما في أثافِي وأَماني، وبأنه صُغِّر على سُمَي.وأن الفعل منه سمَّيْت، وهي حجج بينة على أن أصله من الناقص الواوي. وبأنه يقال سُمىً كهدى؛ لأنهم صاغوه على فُعَل كرُطَب فتنقلب الواو المتحركة ألفاً إثر الفتحة وأنشدوا على ذلك قول أبي خالد القَنَاني الراجز:واللَّهُ أَسْمَاكَ سُمًى مُبارَكاً آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكاوقال ابن يعيش: لا حجة فيه لاحتمال كونه لغة من قال سُم والنصب فيه نصب إعراب لا نصب الإعلال، ورده عبد الحكيم بأن كتابته بالإمالة تدل على خلاف ذلك. وعندي فيه أن الكتابة لا تتعلق بها الرواية فلعل الذين كتبوه بالياء هم الذين ظنوه مقصوراً، على أن قياسها الكتابة بالألف مطلقاً لأنه واوي إلا إذا أريد عدم التباس الألف بألف النصب. ورَأْيُ البصريين أرجح من ناحية تصاريف هذا اللفظ. وذهب الكوفيون إلى أن أصله وِسْم بكسر الواو لأنه من السمة وهي العَلامة، فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل ليبقى على ثلاثة أحرف ثم يتوسل بذلك إلى تخفيفه في الوصل، وكأنهم رأوا أن لا وجه لاشتقاقه من السمو لأنه قد يستعمل لأشياء غير سامية وقد علمتَ وجه الجواب، ورأي الكوفيين أرجح من جانب الاشتقاق دون التصريف، على أن همزة الوصل لم يعهد دخولها على ما حذف صدره وردوا استدلال البصريين بتصاريفه بأنها يحتمل أن تكون تلك التصاريف من القلب المكاني بأن يكون أصل اسم وسم، ثم نقلت الواو التي هي فاء الكلمة فجعلت لاماً ليتوسل بذلك إلى حذفها ورد في تصرفاته في الموضع الذي حذف منه لأنه تنوسي أصله، وأجيب عن ذلك بأن هذا بعيد لأنه خلاف الأصل وبأن القلب لا يلزم الكلمة في سائر تصاريفها وإلا لما عرف أصل تلك الكلمة. وقد اتفق علماء اللغة على أن التصاريف هي التي يعرف بها الزائد من الأصلي والمنقلب من غيره. وزعم ابن حزم في كتاب «الملل والنحل» أن كلا قولي البصريين والكوفيين فاسد افتعله النحاة ولم يصح عن العرب وأن لفظ الاسم غير مشتق بل هو جامد وتطاول ببذاءته عليهم وهي جرأة عجيبة، وقد قال تعالى:{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }[النحل: 43].وإنما أقحم لفظ اسم مضافاً إلى علم الجلالة إذ قيل: (بسم الله) ولم يقل بالله لأن المقصود أن يكون الفعل المشروع فيه من شؤون أهل التوحيد الموسومة باسم الإلٰه الواحد فلذلك تقحم كلمة اسم في كل ما كان على هذا المقصد كالتسمية على النسك قال تعالى:{ فكلوا مما ذكر اسم الله عليه }[الأنعام: 118] وقال:{ وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه }[الأنعام: 119] وكالأفعال التي يقصد بها التيمن والتبرك وحصول المعونة مثل:{ اقرأ باسم ربك }[العلق: 1] فاسم الله هو الذي تمكن مقارنته للأفعال لا ذاته، ففي مثل هذا لا يحسن أن يقال بالله لأنه حينئذٍ يكون المعنى أنه يستمد من الله تيسيراً وتصرفاً من تصرفات قدرته وليس ذلك هو المقصود بالشروع، فقوله تعالى:{ فسبح باسم ربك العظيم }[الواقعة: 74] أَمْرٌ بأن يقول سبحان الله، وقوله:{ وسبحه }[الإنسان: 26] أمْرٌ بتنزيه ذاته وصفاته عن النقائص، فاستعمال لفظ الاسم في هذا بمنزلة استعمال سمات الإبل عند القبائل، وبمنزلة استعمال القبائل شعار تعارفهم، واستعمال الجيوش شعارهم المصطلح عليه. والخلاصة أن كل مقام يقصد فيه التيمن والانتساب إلى الرب الواحد الواجب الوجود يعدى فيه الفعل إلى لفظ اسم الله كقوله:{ وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها }[هود: 41] وفي الحديث في دعاء الاضطجاع: " باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه " وكذلك المقام الذي يقصد فيه ذكر اسم الله تعالى كقوله تعالى: { فسبح باسم ربك العظيم } أي قل سبحان الله:{ سبح اسم ربك الأعلى }[الأعلى: 1] وكل مقام يقصد فيه طلب التيسير والعون من الله تعالى يعدى الفعل المسؤول إلى علم الذات باعتبار ما له من صفات الخلق والتكوين كما في قوله تعالى:{ فاسجد له }[الإنسان: 26] وقوله في الحديث: " اللهم بك نصبح وبك نمسي " أي بقدرتك ومشيئتك وكذلك المقام الذي يقصد فيه توجه الفعل إلى الله تعالى كقوله تعالى: { فاسجد له } { وسبحه } أي نزه ذاته وحقيقته عن النقائص. فمعنى (بسم الله الرحمٰن الرحيم) أقرأ قراءة ملابسة لبركة هذا الاسم المبارك.هذا وقد ورد في استعمال العرب توسعات في إطلاق لفظ الاسم مرة يعنون به ما يرادف المسمى كقول النابغة:نبئتُ زُرعة والسفاهةُ كاسمها يُهدى إليَّ غرائبَ الأَشعاريعني أن السفاهة هي لا تُعرَّف للناس بأكثر من اسمها وهو قريب من استعمال اسم الإشارة في قوله تعالى:{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً }[البقرة: 143]. أي مثل ذلك الجعل الواضح الشهير ويطلقون الاسم مقحماً زائداً كما في قول لبيد:إلى الحولِ ثم اسم السلام عليكُما يعني ثم السلام عليكما وليس هذا خاصاً بلفظ الاسم بل يجىء فيما يرادفه مثل الكلمة في قوله تعالى:{ وألزمهم كلمة التقوى }[الفتح: 26] وكذلك «لفظ» في قول بشار هاجياً:وكذاك، كان أبوك يؤثر بالهُنَى ويظل في لَفْظِ النَّدى يتَرَدَّدوقد يطلق الاسم وما في معناه كنايةً عن وجود المسمى، ومنه قوله تعالى:{ وجعلوا لله شركاء قل سموهم }[الرعد: 33] والأمر للتعجيز أي أثبتوا وجودهم ووضعَ أسماء لهم. فهذه اطلاقات أخرى ليس ذكر اسم الله في البسملة من قبيلها، وإنما نبهنا عليها لأن بعض المفسرين خلط بها في تفسير البسملة، ذكرتها هنا توضيحاً ليكون نظركم فيها فسيحاً فشدوا بها يداً ولا تتبعوا طرائق قدداً.وقد تكلموا على ملحظ تطويل الباء في رسم البسملة بكلام كله غير مقنع، والذي يظهر لي أن الصحابة لما كتبوا المصحف طولوها في سورة النمل للإشارة إلى أنها مبدأ كتاب سليمان فهي من المحكي، فلما جعلوها علامة على فواتح السور نقلوها برسمها، وتطويل الباء فيها صالح لاتخاذه قدوة في ابتداء الغرض الجديد من الكلام بحرف غليظ أو ملون.والكلام على اسم الجلالة ووصفه يأتي في تفسير قوله تعالى:{ الحمد لله رب العالمين الرحمٰن الرحيم }[الفاتحة: 2، 3].ومناسبة الجمع في البسملة بين علم الجلالة وبين صفتي الرحمٰن الرحيم، قال البيضاوي إن المُسمِّي إذا قصَد الاستعانة بالمعبود الحق الموصوف بأنه مُولي النعم كلها جليلها ودقيقها يذكر عَلَم الذات إشارة إلى استحقاقه أن يستعان به بالذات، ثم يذكر وصف الرحمٰن إشارة إلى أن الاستعانة على الأعمال الصالحة وهي نعم، وذكر الرحيم للوجوه التي سنذكرها في عطف صفة الرحيم على صفة الرحمٰن.وقال الأستاذ الإمام محمد عبده: إن النصارى كانوا يبتدئون أدعيتهم ونحوها باسم الأب والابن والروح القدس إشارة إلى الأقانيم الثلاثة عندهم، فجاءت فاتحة كتابِ الإسلام بالرد عليهم موقظة لهم بأن الإلٰه الواحد وإن تعددت أسماؤه فإنما هو تعدد الأوصاف دون تعدد المسميات، يعني فهو رد عليهم بتغليظ وتبليد. وإذا صح أن فواتح النصارى وأدعيتهم كانت تشتمل على ذلك - إذ الناقل أمين - فهي نكتة لطيفة.وعندي أن البسملة كان ما يرادفها قد جرى على ألسنة الأنبياء من عهد إبراهيم عليه السلام فهي من كلام الحنيفية، فقد حكى الله عن إبراهيم أنه قال لأبيه:{ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمٰن }[مريم: 45]، وقال:{ سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً }[مريم: 47] ومعنى الحفي قريب من معنى الرحيم. وحُكِي عنه قوله:{ وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم }[البقرة: 128]. وورد ذكر مرادفها في كتاب سليمان إلى ملكة سبأ:{ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمٰن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين }[النمل: 30، 31]. والمظنون أن سليمان اقتدى في افتتاح كتابه بالبسملة بسنة موروثة من عهد إبراهيم جعلها إبراهيم كلمة باقية في وارثي نبوته، وأن الله أحيا هذه السنة في الإسلام في جملة ما أوحى له من الحنيفية كما قال تعالى:{ ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل }[الحج: 78].


إعراب القرآن : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

بسم اللّه الرحمن الرحيم

«اسْمَ» ذهب أهل البصرة في اشتقاقه إلى أنه مشتق من السمو وهو العلو بينما ذهب أهل الكوفة إلى أنه مشتق من السمة وهي العلامة - وحذفت الألف في البسملة لكثرة استعمالها. «الرَّحْمنِ» وزنه فعلان وفيه معنى المبالغة ، ولا يوصف به إلا اللّه تعالى.

«الرَّحِيمِ» وزنه فعيل وفيه كذلك معنى المبالغة.

«بِسْمِ» جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره ابتدئ أو بخبر محذوف تقديره ابتدائي «اللَّهِ» لفظ الجلالة مضاف إليه. «الرَّحْمنِ» صفة للّه. «الرَّحِيمِ» صفة ثانية.

وجملة البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب. «1»








(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ١ )
جزء - Cüz - Part: 1 
حزب - Hizip - Hizb: 1 
ربع - Çeyrek - Quarter: 1 [ 1 ] 
صفحة - Sayfa - Page: 1 
السورة - Sure - Surah:
سُورَةُ الفَاتِحَةِ - Fâtiha Suresi - Al-Fatihah ( The Opening )
: 1 
الآية - Verse - Ayet: 1 
عدد الكلمات | Kelime sayısı | The number of words: 4 
عدد الكلمات بدون تكرار | Tekrarsız kelime sayısı | The number of words without repetition: 4 
عدد الحُرُوفِ | Harf sayısı | The number of letters: 19 

 ء 

 0 

 

 ت 

 0 

 

 س 

 1 

 

 ق 

 0 

 آ 

 0 

 

 ث 

 0 

 

 ش 

 0 

 

 ك 

 0 

 أ 

 0 

 

 ج 

 0 

 

 ص 

 0 

 

 ل 

 4 

 ؤ 

 0 

 

 ح 

 2 

 

 ض 

 0 

 

 م 

 3 

 إ 

 0 

 

 خ 

 0 

 

 ط 

 0 

 

 ن 

 1 

 ئ 

 0 

 

 د 

 0 

 

 ظ 

 0 

 

 ه 

 1 

 ا 

 3 

 

 ذ 

 0 

 

 ع 

 0 

 

 و 

 0 

 ب 

 1 

 

 ر 

 2 

 

 غ 

 0 

 

 ى 

 0 

 ة 

 0 

 

 ز 

 0 

 

 ف 

 0 

 

 ي 

 1 







(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ )
[سُورَةُ الفَاتِحَةِ: 1]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ١ )




Fâtiha Suresi: 1
Kur'an-ı Kerim metninin Türkçe Transkripsiyonu - Turkish Transcription of the Holy Quran - النسخ التركي للقرآن الكريم
Bismi(A)llâhi-rrahmâni-rrahîm(i)
Turkish translation of Diyanet Vakfı Meali - Diyanet Vakfı Meali الترجمة التركية
Rahmân ve rahîm olan Allah'ın adıyla.
Turkish translation of Diyanet İşleri Meali (Eski) - Diyanet İşleri Meali (Eski) الترجمة التركية
Rahman ve Rahim olan Allah'ın adıyla:
Turkish translation of Diyanet İşleri Meali (Yeni) - Diyanet İşleri Meali (Yeni) الترجمة التركية
Bismillâhirrahmânirrahîm.[1][2][3]
Kur'an-ı Kerim Tefsiri » (Kur'an Yolu) Meal ve Tefsir »
Fâtiha Suresi

Hakkında

Mekke döneminde inmiştir. Yedi âyettir. Kur’an-ı Kerim’in ilk sûresi olduğu için “başlangıç” anlamına “Fâtiha” adını almıştır. Sûrenin ayrıca, “Ümmü’1-Kitab” (Kitab’ın özü) “es-Seb’ul-Mesânî” (Tekrarlanan yedi âyet) , “el-Esâs”,“el-Vâfiye”, “el-Kâfiye”, “el-Kenz”, “eş-Şifâ”, “eş-Şükr” ve “es-Salât” gibi başka adları da vardır. Kur’an’ın içerdiği esaslar öz olarak Fâtiha’da vardır. Zira övgü ve yüceltilmeye lâyık bir tek Allah’ın varlığı, onun hâkimiyeti, tek mabut oluşu, kulluğun ancak O’na yapılıp O’ndan yardım isteneceği, bu sûrede özlü bir şekilde ifade edilir. Fâtiha sûresi, aynı zamanda baştan başa eşsiz güzellikte bir dua, bir yakarıştır.

Nuzül

Mushafta birinci, nüzûl sıralamasında 5. sûredir. Hz. Muhammed’in peygamberliğinin ilk yıllarında Mekke’de nâzil olduğu hususunda ittifak vardır. Kaynaklarda nüzûl sebebiyle ilgili özel bir olay yoktur. Kur’an’ın hem bir mukaddimesi hem de özeti gibidir. Ayrıca her müminin kıldığı namazın bütün rek‘atlarında rabbi ile konuşurcasına okuması ve bu sayede O’na yaklaşması murat edilmiştir.

Konusu

Bu sûre ilâhî kitabın bütün amaçlarını; getirdiği mâna, bilgi ve hükümleri özet halinde ihtiva etmektedir. Kur’an-ı Kerîm’in gönderiliş amacı insanların dünya hayatını düzene koymak ve iyi (ilâhî irade, rızâ ve düzene uygun) bir dünya hayatından sonra ebedî saadeti sağlamaktır. Bu amaca ulaşabilmek için: 1. Emir ve yasaklara ihtiyaç vardır. 2. Bu emir ve yasakların hayata geçmesi, bunların kaynağının “yaratıcı, varlığı zaruri, kemal sıfatlarına sahip, her çeşit eksiklik ve kusurdan uzak bulunan Allah” olduğunun bilinmesine bağlıdır. 3. Bu imanı, bu bilgi ve şuuru desteklemek üzere de mükâfat ve ceza vaadi gerekir. Sûrenin başından “yevmi’d-dîn”e kadar birincisi, “müstak^m”e kadar ikincisi ve buradan sonuna kadar da mükâfat ve ceza vaadi ile –konuları desteklemek, canlı bir şekilde tasvir etmek ve geçmişten ibret alınmasını sağlamak üzere verilen– Kur’an kıssalarının özü veciz bir şekilde ifade edilmiştir. Kur’an-ı Kerîm’in bilgi, irşad ve tâlimatla ilgili bütün muhtevası “bilinmesi ve inanılması gerekenler” ve “yapılması gerekenler” diye ikiye ayrılabilir. Birincisinde Allah, peygamberlik, gayb âlemi hakkında bilgiler, öğütler, misaller, hikmetler ve kıssalar vardır. İkincisinde ise ibadetler, hayat düzeni gibi amelî, ahlâkî hükümler ve öğretiler vardır. Fâtiha sûresi bütün bunları ya sözü veya özüyle ihtiva etmektedir ya da bu konularda aklın önünü açarak ona ışık tutmaktadır.

“Hamd Allah’a mahsustur” cümlesi Allah Teâlâ’nın kendisini hamde (övgü, yüceltme) lâyık kılan bütün yetkinlik sıfatlarını; “âlemlerin rabbi” ifadesi diğer yaratma ve fiil sıfatlarını; “rahmân ve rahîm” isimleri Allah’ın insanlara rahmet ve merhametinden kaynaklanan din kurallarını; “ceza ve hesap gününün sahibi” nitelemesi kıyamet hallerini ve âhiret âlemini; “Yalnız sana kulluk ederiz” kısmı iman, ibadet ve sosyal düzeni; “Yalnız senden yardım dileriz” cümlesi amellerde ihlâsı (ibadetlerin yalnızca Allah rızâsı için yapılmasını) ve tevhidi (O’ndan başkasına kul olarak boyun eğilmemesini, Tanrı’ya mahsus sıfat ve etkilerin O’ndan başkasına tanınmamasını) ifade etmektedir. “Bizi doğru yola ilet” cümlesi ibadet, nizam, düşünce ve ahlâk çerçevesini, “nimete erdirdiklerinin yoluna...” kısmı gelip geçmiş örnek nesilleri, millet ve toplulukları; “gazaba uğramışların ve sapmışların yoluna değil” bölümü ise kötü örnek teşkil eden ve hallerinden ibret alınması gereken geçmiş toplulukları içine almaktadır.

Denebilir ki besmelenin başındaki “bi” edatından başlayarak besmeleye, sonra Fâtiha’ya ve devamında bütün Kur’an’a doğru ilâhî sırlar perde perde açılmakta; yoğunlaştırılmış dar hacimden, yoğunluğu gittikçe hafifleyen geniş hacimlere doğru yansıyan ilâhî irşadın ışığı âlemlere yayılmaktadır. “Bi” edatındaki “musâhabe” (beraberlik) ve “ istiâne” (yardım dileme) mânaları, kul ile Allah ilişkisinin ve dolayısıyla dinin amacının bütününü ihtiva etmektedir. Besmelenin geri kalan kısmı ile Fâtiha, bu ilişkiyi daha da açarak devam etmekte, diğer sûre ve âyetler de bunları, aralarında bir bütünlük oluşturarak her kabiliyet ve zihin seviyesine uygun üslûplar içinde açıklığa kavuşturmaktadır.

Fazileti

Gerek yalnızca “elhamdülillâh” vb. şeklinde ifade edilen hamdin ve gerekse bütünüyle Fâtiha sûresinin değeri ve müminin dinî hayatındaki yeri hakkında birçok sahih hadis bulunmaktadır: “Zikrin en üstünü ‘lâ ilâhe illallah’, duanın en yücesi ‘elhamdülillâh’tır” (Tirmîzî, “Duâ”, 9). “Allah’a hamd ile başlamayan her önemli işin sonu güdüktür” (İbn Mâce, “Nikâh”, 19). Allah’ın resulü, Ebû Saîd b. Muallâ isimli sahâbîye, Kur’an-ı Kerîm’deki en büyük sûreyi mescidden çıkmadan bildireceğini ifade buyurmuş, sonra da bunun Fâtiha olduğunu açıklamıştır (Buhârî, “Fezâ’ilü’l-Kur’an”, 9).

Yine birçok sahih hadiste Fâtiha sûresinin şifa özelliği ile ilgili açıklamalar yapılmıştır (meselâ bk. Buhârî, “Fezâ’ilü’l-Kur’ân”, 9).

“Eûzü” veya “istiâze” diye bilinen bu cümle, bu şekliyle bir âyet olmadığı için mushafa yazılmamıştır. “Kur’an okuyacağın vakit o kovulmuş şeytandan Allah’a sığın” (Nahl 16/98) şeklinde buyurulduğu için Kur’an okumaya başlayanlar, besmeleden önce “eûzü...” ifadesini okumak suretiyle bu emri yerine getirmektedirler.

Asıl adı İblîs olan şeytan, Allah’ın “Âdem’e secde et!” emrine uymadığı, kendisinin daha üstün olduğunu ileri sürerek emre karşı geldiği için meleklerin vatanından (melekût âlemi) kovulup sürgün edilmiş; o da imtihan dünyasında Allah’ın kullarını, O’nun yolundan ve rızâsından ayırmak için uğraşmayı kendine vazife edinmiştir (A‘râf 7/11-17). Şeytan, kendine uyan diğer cinleri ve insanları da kullanarak vazifesini yapmaya çalışmaktadır (En‘âm 6/112). Ancak Allah’a iman eden, O’na dayanan ve güvenen müminlere şeytanın zarar veremeyeceği ve onlara hükmünün geçmeyeceği ilgili âyetlerde açıklanmıştır (Nahl 16/98-100).

Yukarıda meâli zikredilen âyet (16/98) sebebiyle Kur’an okumaya başlayanlar “eûzü” çekerler. Ancak bunun hükmü konusunda farklı görüş ve yorumlar vardır. Bazı müctehidlere göre emir kipi kullanıldığı için eûzü çekmek farzdır. Müctehidlerin çoğunluğuna göre ise bu bir tavsiye emridir, eûzü çekmek farz değil menduptur, teşvik edilmiştir ve güzel bulunmuş bir davranıştır.

Şeytanın insandan en uzakta olması gereken zaman olan Kur’an okuma halinde bile –okumaya başlarken– eûzü çekmek tavsiye edildiğine göre diğer işlere başlarken bunu yapmanın daha da gerekli olacağı anlaşılmaktadır.

Kötülüğe karşı bile iyilik yaparak insanlardan gelecek belâyı defetmek, eûzü çekerek de şeytandan gelecek olan vesvese ve kışkırtmayı kendilerinden uzaklaştırmak Kur’an’ın, müminlere tavsiyeleri arasında yer almıştır (bk. Mü’minûn 23/96-98). Eûzü, bir yandan böyle maddî ve mânevî şerleri, kötülükleri defetmeye ilâç olurken diğer yandan kulun imtihan şuurunu tazelemekte, insanın ulvî yönü ile süflî yönü arasında ömür boyu sürüp giden ve onu geliştirmeyi, olgunlaştırmayı sağlayan mücadelede uyanık ve tedbirli olmayı telkin etmektedir.

Fâtiha Suresi 1. Ayet Tefsiri


Ayet


  • بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ
    ﴿١﴾

Meal (Kur'an Yolu)


﴾1﴿
Rahmân ve rahîm olan Allah’ın adıyla...

Tefsir (Kur'an Yolu)


Sûrelerin başında bulunan besmele cümlelerinin, Kur’an-ı Kerîm’in mushaflarda ilk defa toplanmasından itibaren yazılageldiği, aynı dönemde Kur’an’a dahil olmayan hiçbir şeyin mushafa yazılmadığı dikkate alınırsa –aksine görüşler bulunmakla birlikte– her sûrenin başındaki besmeleyi, sûrenin âyet sayılarına dahil olmayan ayrı bir âyet olarak kabul etmek gerekmektedir. Hanefî fıkıhçılarının görüşleri de böyledir (Cessâs, Ahkâmü’l-Kur’ân, I, 12). İmam Şâfiî Fâtiha sûresinin başındaki besmeleyi bu sûreden bir âyet olarak kabul etmiştir. Diğer sûrelerin başlarındaki besmeleler konusunda kendisinden iki farklı görüş nakledilmiş, her sûreye dahil bir âyet sayılması görüşü –ona ait olması yönünden– daha sahih bir rivayet olarak kaydedilmiştir. Ebû Hanîfe’ye göre besmeleler sûrelerin başında ayrı âyetler olduğu için namazda yalnızca Fâtiha’dan önce sessiz olarak okunur, Fâtiha’yı takip eden ve zamm-ı sûre denilen sûre ve âyetlerden önce ise besmele okunmaz. Yukarıda verilen bilgiler istikametinde besmele bu sûrenin ilk âyeti olarak tefsir edilmiştir.

Besmele dilimize genellikle “Rahmân ve rahîm olan Allah’ın adıyla” şeklinde çevrilmektedir. Bu cümlede zikredilmeyen fakat her besmele okuyanın başlayacağı işe göre niyetinde bulunan “... okuyorum, başlıyorum, yapıyorum, yiyorum” gibi bir yüklem vardır. “Allah’ın adıyla yemek, okumak” ifadesinden Türkçe’de “yenen ve okunanın Allah’ın adıyla birlikte yenildiği veya okunduğu” anlaşılır. Bu mâna kastedilmediğine göre maksadı doğru anlatabilmek için besmeleyi “Rahmân ve rahîm olan Allah adına, ... adını anarak, ... Allah’tan yardım dileyerek ...” şekillerinde çevirmek de uygun olur.

Kul herhangi bir davranışta bulunurken, önemli bir işe teşebbüs ederken önce eûzü çekerek muhtemel olumsuz etkileri defetmekte sonra da besmeleyi okuyarak “kendinin tek başına yeterli olmadığını, başarı ve gücün ancak Allah’tan gelebileceğini, Allah’ın yeryüzünde halife kıldığı bir varlık olarak O’nun mülkünde, O’nun adına tasarrufta bulunduğunu, asıl mâlik ve hâkim olan Allah’ın koyduğu sınırları aşarsa emanete hıyanet etmiş olacağını...” peşinen kabul etmekte ve bundan güç almaktadır. Burada tevhid cümlesinin mânası da üstü kapalı olarak mevcuttur. Zira nasıl ki tevhid cümlesinde “lâ ilâhe” denilerek önce bütün sahte tanrılar zihinlerden siliniyor, sonra da “illallah” ifadesiyle hakiki, tek, eşi ve benzeri bulunmayan Tanrı (Allah) kalbe ve zihne yerleştiriliyorsa, eûzü besmele çekildiğinde de önce kulluk ilişkisine engel olan kirli çevre temizleniyor, sonra da bu ilişkinin en uygun anahtarı kullanılmış, doğru kapılar açılmış, sağlıklı bağ kurulmuş oluyor.

Kur’an dilinde rahmân sıfat-ismi de Allah’a mahsustur, başka hiçbir varlık için kullanılmamıştır. Rahmân “en uzak geçmişe doğru bütün yaratılmışlara sonsuz ve sınırsız lutuf, ihsan, rahmet bahşeden” demektir. Rahmân, rahmetiyle muamele ederken buna mazhar olan varlığın hak etmesine, lâyık olmasına bakmaz, bu sıfatın tecellisi yağmur gibi her şeyin üzerine yağar, güneş gibi her şeyi ısıtır ve aydınlatır.

Rahîm “çok merhametli, rahmeti bol” demek olup bu sıfatla kullar da nitelenebilir. Allah’ın rahîm sıfat-ismi O’nun, daha ziyade kullarının gelecekte elde etmek üzere hak ettikleri, lâyık oldukları sınırsız rahmetini, lutuf ve merhametini ifade etmektedir. “Esirgemek” ve “bağışlamak” bu sonsuz, engin ve etkisi çeşitli rahmetin ancak bir parçası, etkilerinin yalnızca bir çeşididir.


Kur'an Yolu

 

Türkçe Meal ve

 

Tefsir

 

Fâtiha Sûresi

 

Nüzûl

 

Mushafta birinci, nüzûl sıralamasında 5. sûredir. Hz. Muhammed’in peygamberliğinin ilk yıllarında Mekke’de nâzil olduğu hususunda ittifak vardır. Kaynaklarda nüzûl sebebiyle ilgili özel bir olay yoktur. Kur’an’ın hem bir mukaddimesi hem de özeti gibidir. Ayrıca her müminin kıldığı namazın bütün rek‘atlarında rabbi ile konuşurcasına okuması ve bu sayede O’na yaklaşması murat edilmiştir.

 

Adı/Ayet Sayısı

 

Kur’an ilimlerine dair kaynaklarda birden fazla adı vardır; ancak bunlardan “Fâtiha, es -Seb‘u’l-mesânî, Ummü’l-kitâb” adları hadislerde geçmektedir (bk. Buhârî, “Tefsîr”, 1, “Ezân”, 109; Tirmizî, “Salât”, 183). Fâtiha “ilk, evvel, başlangıç” demektir. Bütün olarak gelen ilk sûre olduğu, Kur’ân-ı Kerîm’i okumaya ve yazmaya onunla başlandığı için bu adı almıştır. Fâtiha sûresinden önce gelen (nâzil olan) âyetler, ait oldukları sûrelerin parçalarıdır ve bu sûrelerin nüzûlü Fâtiha’dan sonra tamamlanmıştır. es-Seb‘u’l-mesânî “ikilenen, tekrarlanan yedi” demektir. Bu sûre yedi âyetten oluştuğu ve namazda en az iki kere okunduğu ya da her rek‘atta ona bir başka sûre veya birkaç âyet eklendiği için bu ismi almıştır. Ummü’l-kitâb “kitabın aslı, temeli, anası” demektir. Bazı hadislerde “Ummü’l-Kur’ân” (Kur’an’ın anası) şeklinde ifade edilmiştir. Fâtiha sûresine bu ismin verilmesi, yukarıda işaret edilen ve az sonra açıklanacak olan içeriği sebebiyledir. Fâtiha’nın yedi âyetli bir sûre olduğunda görüş birliği vardır. Bu yedi âyetin sayımı, besmelenin Fâtiha sûresine dahil bir âyet olup olmadığı konusundaki görüş ayrılığı sebebiyle farklı olmuştur. Mekke ve Kûfeli kıraat âlimlerine (kurrâ) göre besmele Fâtiha’ya dahil bir âyettir, “el-hamdü” ile başlayan ise ikinci âyettir. Medine, Basra ve Şam


 

kurrâsına göre besmele Fâtiha’ya dahil bir âyet değildir, “el-hamdü...” birinci âyettir. Bu konuya besmelenin tefsirinde tekrar dönülecektir. Besmeleyi Fâtiha’dan saymayanlara göre “en‘amte aleyhim”den sonrası ayrı bir âyettir ve yedi rakamı böyle tamamlanmaktadır.

 

Fazileti

 

Gerek yalnızca “elhamdülillâh” vb. şeklinde ifade edilen hamdin ve gerekse bütünüyle Fâtiha sûresinin değeri ve müminin dinî hayatındaki yeri hakkında birçok sahih hadis bulunmaktadır: “Zikrin en üstünü ‘lâ ilâhe illallah’, duanın en yücesi ‘elhamdülillâh’tır” (Tirmîzî, “Duâ”, 9). “Allah’a hamd ile başlamayan her önemli işin sonu güdüktür” (İbn Mâce, “Nikâh”, 19). Allah’ın resulü, Ebû Saîd b. Muallâ isimli sahâbîye, Kur’ân-ı Kerîm’deki en büyük sûreyi mescidden çıkmadan bildireceğini ifade buyurmuş, sonra da bunun Fâtiha olduğunu açıklamıştır (Buhârî, “Fezâ’ilü’l-Kur’ân”, 9).Yine birçok sahih hadiste Fâtiha sûresinin şifa özelliği ile ilgili açıklamalar yapılmıştır (meselâ bk. Buhârî, “Fezâ’ilü’l-Kur’ân”, 9).

 

Ayet

 

Bismillahirrahmânirrahîm1﴿

 

Tefsir

 

“Eûzü” veya “istiâze” diye bilinen bu cümle, bu şekliyle bir âyet olmadığı için mushafa yazılmamıştır. “Kur’an okuyacağın vakit o kovulmuş şeytandan Allah’a sığın” (Nahl 16/98) şeklinde buyurulduğu için Kur’an okumaya başlayanlar, besmeleden önce “eûzü...” ifadesini okumak suretiyle bu emri yerine getirmektedirler. Asıl adı İblîs olan şeytan, Allah’ın “Adem’e secde et!” emrine uymadığı, kendisinin daha üstün olduğunu ileri sürerek emre karşı geldiği için meleklerin vatanından (melekût
 

âlemi) kovulup sürgün edilmiş; o da imtihan dünyasında Allah’ın kullarını, O’nun yolundan ve rızâsından ayırmak için uğraşmayı kendine vazife edinmiştir (A‘râf 7/11-17). Şeytan, kendine uyan diğer cinleri ve insanları da kullanarak vazifesini yapmaya çalışmaktadır (En‘âm 6/112). Ancak Allah’a iman eden, O’na dayanan ve güvenen müminlere şeytanın zarar veremeyeceği ve onlara hükmünün geçmeyeceği ilgili âyetlerde açıklanmıştır (Nahl 16/98-100). Yukarıda meâli zikredilen âyet (16/98) sebebiyle Kur’an okumaya başlayanlar “eûzü” çekerler. Ancak bunun hükmü konusunda farklı görüş ve yorumlar vardır. Bazı müctehidlere göre emir kipi kullanıldığı için eûzü çekmek farzdır. Müctehidlerin çoğunluğuna göre ise bu bir tavsiye emridir, eûzü çekmek farz değil menduptur, teşvik edilmiştir ve güzel bulunmuş bir davranıştır. Şeytanın insandan en uzakta olması gereken zaman olan Kur’an okuma halinde bile –okumaya başlarken– eûzü çekmek tavsiye edildiğine göre diğer işlere başlarken bunu yapmanın daha da gerekli olacağı anlaşılmaktadır. Kötülüğe karşı bile iyilik yaparak insanlardan gelecek belâyı defetmek, eûzü çekerek de şeytandan gelecek olan vesvese ve kışkırtmayı kendilerinden uzaklaştırmak Kur’an’ın, müminlere tavsiyeleri arasında yer almıştır (bk. Mü’minûn 23/96-98). Eûzü, bir yandan böyle maddî ve mânevî şerleri, kötülükleri defetmeye ilâç olurken diğer yandan kulun imtihan şuurunu tazelemekte, insanın ulvî yönü ile süflî yönü arasında ömür boyu sürüp giden ve onu geliştirmeyi, olgunlaştırmayı sağlayan mücadelede uyanık ve tedbirli olmayı telkin etmektedir. 1. Sûrelerin başında bulunan besmele cümlelerinin, Kur’ân-ı Kerîm’in mushaflarda ilk defa toplanmasından itibaren yazılageldiği, aynı dönemde Kur’an’a dahil olmayan hiçbir şeyin mushafa yazılmadığı dikkate alınırsa – aksine görüşler bulunmasına rağmen– her sûrenin başındaki besmeleyi, sûrenin âyet sayılarına dahil olmayan ayrı bir âyet olarak kabul etmek gerekmektedir. Hanefî fıkıhçılarının görüşleri de böyledir (Cessâs, Ahkâmü’l-Kur’ân, I, 12). İmam


 

Şâfiî Fâtiha sûresinin başındaki besmeleyi bu sûreden bir âyet olarak kabul etmiştir. Diğer sûrelerin başlarındaki besmeleler konusunda kendisinden iki farklı görüş nakledilmiş, her sûreye dahil bir âyet sayılması görüşü –ona ait olması yönünden– daha sahih bir rivayet olarak kaydedilmiştir. Ebû Hanîfe’ye göre besmeleler sûrelerin başında ayrı âyetler olduğu için namazda yalnızca Fâtiha’dan önce sessiz olarak okunur, Fâtiha’yı takip eden ve zamm-ı sûre denilen sûre ve âyetlerden önce ise besmele okunmaz. Besmele dilimize genellikle “Rahmân ve rahîm olan Allah’ın adıyla” şeklinde çevrilmektedir. Bu cümlede zikredilmeyen fakat her besmele okuyanın başlayacağı işe göre niyetinde bulunan “... okuyorum, başlıyorum, yapıyorum, yiyorum” gibi bir yüklem vardır. “Allah’ın adıyla yemek, okumak” ifadesinden Türkçe’de “yenen ve okunanın Allah’ın adıyla birlikte yenildiği veya okunduğu” anlaşılır. Bu mâna kastedilmediğine göre maksadı doğru anlatabilmek için besmeleyi “Rahmân ve rahîm olan Allah adına, ... adını anarak, ... Allah’tan yardım dileyerek ...” şekillerinde çevirmek de uygun olur. Kul herhangi bir davranışta bulunurken, önemli bir işe teşebbüs ederken önce eûzü çekerek muhtemel olumsuz etkileri defetmekte sonra da besmeleyi okuyarak “kendinin tek başına yeterli olmadığını, başarı ve gücün ancak Allah’tan gelebileceğini, Allah’ın yeryüzünde halife kıldığı bir varlık olarak O’nun mülkünde, O’nun adına tasarrufta bulunduğunu, asıl mâlik ve hâkim olan Allah’ın koyduğu sınırları aşarsa emanete hıyanet etmiş olacağını...” peşinen kabul etmekte ve bundan güç almaktadır. Burada tevhid cümlesinin mânası da üstü kapalı olarak mevcuttur. Zira nasıl ki tevhid cümlesinde “lâ ilâhe” denilerek önce bütün sahte tanrılar zihinlerden siliniyor, sonra da “illallah” ifadesiyle hakiki, tek, eşi ve benzeri bulunmayan Tanrı (Allah) kalbe ve zihne yerleştiriliyorsa, eûzü besmele çekildiğinde de önce kulluk ilişkisine engel olan kirli çevre temizleniyor, sonra da bu ilişkinin en uygun anahtarı kullanılmış, doğru kapılar açılmış, sağlıklı bağ kurulmuş oluyor. Allah yerine “tanrı”, rahmân yerine “esirgeyen”,


 

rahîm yerine de “bağışlayan” kelimelerinin kullanılması bu isimlerin anlamlarını tam olarak karşılamaz. Cünkü Allah ismi, bu isme hakkıyla lâyık olan “tek, eşsiz, benzersiz, bütün kemal sıfatlarına sahip ve eksikliklerden uzak, varlığı zaruri (olmazsa olmaz), yokluğu düşünülemez” olan yüce zâta mahsustur, bu sıfatları taşımayan hiçbir varlığa Allah denemez. Halbuki insanların uydurdukları, kendilerine göre bazı nitelikler yükledikleri mâbudlara tanrı denebilir. Başka bir deyişle tanrı kelimesi Allah için de kullanılabilir, halbuki Allah ismi O’ndan başka hiçbir varlık için kullanılamaz ve Arap dilinde de kullanılmamıştır. Kur’an dilinde rahmân sıfat-ismi de Allah’a mahsustur, başka hiçbir varlık için kullanılmamıştır. Rahmân “en uzak geçmişe doğru bütün yaratılmışlara sonsuz ve sınırsız lutuf, ihsan, rahmet bahşeden” demektir. Rahmân, rahmetiyle muamele ederken buna mazhar olan varlığın hak etmesine, lâyık olmasına bakmaz, bu sıfatın tecellisi yağmur gibi her şeyin üzerine yağar, güneş gibi her şeyi ısıtır ve aydınlatır. Rahîm “çok merhametli, rahmeti bol” demek olup bu sıfatla kullar da nitelenebilir. Allah’ın rahîm sıfat-ismi O’nun, daha ziyade kullarının gelecekte elde etmek üzere hak ettikleri, lâyık oldukları sınırsız rahmetini, lutuf ve merhametini ifade etmektedir. “Esirgemek” ve “bağışlamak” bu sonsuz, engin ve etkisi çeşitli rahmetin ancak bir parçası, etkilerinin yalnızca bir çeşididir.

 

 

 








(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ )
[سُورَةُ الفَاتِحَةِ: 1]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ١ )




Al-Fatihah ( The Opening ): 1
Kur'an-ı Kerim'in İngilizcesi Cevriyazımı - English (Transliteration) of the Holy Quran - اللغة الإنجليزية (الترجمة الصوتية) للقرآن الكريم
Bismi Allahi arrahmani arraheem
İngilizce Sahih Uluslararası Dil - English Sahih International Language - صحيح اللغة الإنجليزية العالمية
In the name of Allah, the Entirely Merciful, the Especially Merciful.
İngilizce (Yousif Ali) - English (Yousif Ali) - اللغة الإنجليزية (يوسف علي)
In the name of Allah, Most Gracious, Most Merciful.
İngilizce (Muhammad Marmaduke Pickthall) - English (Muhammad Marmaduke Pickthall) - اللغة الإنجليزية (محمد مرمدوق بيكثال)
In the name of Allah, the Beneficent, the Merciful


English: Maududi; [Abul Ala Maududi]

English - Tafheem -Maududi : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
(1:1) In the name of Allah, the Merciful, the Compassionate *1

*1) One of the many practices taught by Islam is that its followers should begin their activities in the name of God. This principle, if consciously and earnestly followed, will necessarily yield three beneficial results. First, one will be able to restrain oneself from many misdeed, since the habit of pronouncing the name of God is bound to make one wonder when about to commit some offence how such an act can be reconciled with the saying of God's holy name. Second, if a man pronounces the name of God before starting good and legitimate tasks, this act will ensue that both his starting point and his mental orientation are sound. Third - and this is the most important benefit - when a man begins something by pronouncing God's name, he will enjoy God's support and succour; God will bless his efforts and protect him from the machinations and temptation of Satan. For whenever man turns to God, God turns to him as well.
 










Kurdish: ته‌فسیری ئاسان; [Burhan Muhammad-Amin]

كوردى - برهان محمد أمين : به ناوی خوای به‌خشنده‌ی میهره‌بان به ناوی ئه‌و خوایه‌ی كانگای ڕه‌حمه‌ت و سۆزو به‌زه‌ییه‌

Urdu: جالندہری; [Fateh Muhammad Jalandhry]

اردو - جالندربرى : شروع الله کا نام لے کر جو بڑا مہربان نہایت رحم والا ہے

Persian: آیتی; [AbdolMohammad Ayati]

فارسى - آیتی : به نام خداى بخشاينده مهربان‌

Uyghur: محمد صالح; [Muhammad Saleh]

Uyghur - محمد صالح : ناھايىتى شەپقەتلىك ۋە مېھرىبان اﷲ نىڭ ئىسمى بىلەن باشلايمەن

French: Hamidullah; [Muhammad Hamidullah]

Français - Hamidullah : Au nom d'Allah le Tout Miséricordieux le Très Miséricordieux

German: Bubenheim & Elyas; [A. S. F. Bubenheim and N. Elyas]

Deutsch - Bubenheim & Elyas : Im Namen Allahs des Allerbarmers des Barmherzigen

Spanish: Cortes; [Julio Cortes ]

Spanish - Cortes : ¡En el nombre de Alá el Compasivo el Misericordioso

Portuguese: El-Hayek; [Samir El-Hayek ]

Português - El Hayek : Em nome de Deus o Clemente o Misericordioso

Russian: Кулиев; [Elmir Kuliev]

Россию - Кулиев : Во имя Аллаха Милостивого Милосердного

Russian: Кулиев + ас-Саади; [Elmir Kuliev (with Abd ar-Rahman as-Saadi's commentaries)]

Кулиев -ас-Саади : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
Во имя Аллаха, Милостивого, Милосердного!

Это означает: я начинаю во имя Аллаха. Из лексического анализа этого словосочетания ясно, что подразумеваются все прекрасные имена Всевышнего Господа. Аллах - одно из этих имен, означающее «Бог, Которого обожествляют и Которому поклоняются, Единственный, Кто заслуживает поклонения в силу Своих божественных качеств - качеств совершенства и безупречности». Прекрасные имена Милостивый и Милосердный свидетельствуют о Его великом милосердии, объемлющем всякую вещь и всякую тварь. Милосердия Аллаха в полной мере будут удостоены Его богобоязненные рабы, которые следуют путем Божьих пророков и посланников. А все остальные творения получат лишь часть Божьей милости. Следует знать, что все праведные богословы единодушно говорили о необходимости веры в Аллаха и Его божественные качества. Господь - Милостивый и Милосердный, то есть обладает милосердием, которое проявляется на Его рабах. Все блага и щедроты являются одним из многочисленных проявлений Его милости и сострадания. То же самое можно сказать и об остальных именах Аллаха. Он всеведущ, то есть обладает знанием обо всем сущем. Он всемогущ, то есть обладает могуществом и властен над всякой тварью.



Italian: Piccardo; [Hamza Roberto Piccardo]

Italiano - Piccardo : In nome di Allah il Compassionevole il Misericordioso

Bosnian: Korkut; [Besim Korkut]

Bosanski - Korkut : U ime Allaha Milostivog Samilosnog

Swedish: Bernström; [Knut Bernström]

Swedish - Bernström : I GUDS DEN NÅDERIKES DEN BARMHÄRTIGES NAMN

Indonesian: Bahasa Indonesia; [Indonesian Ministry of Religious Affairs]

Indonesia - Bahasa Indonesia : Dengan menyebut nama Allah Yang Maha Pemurah lagi Maha Penyayang

Indonesian: Tafsir Jalalayn; [Jalal ad-Din al-Mahalli and Jalal ad-Din as-Suyuti]

Indonesia - Tafsir Jalalayn : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

(Dengan nama Allah Yang Maha Pemurah lagi Maha Penyayang)



Bengali: মুহিউদ্দীন খান; [Muhiuddin Khan]

বাংলা ভাষা - মুহিউদ্দীন খান : শুরু করছি আল্লাহর নামে যিনি পরম করুণাময় অতি দয়ালু।

Tamil: ஜான் டிரஸ்ட்; [Jan Turst Foundation]

தமிழ் - ஜான் டிரஸ்ட் : அளவற்ற அருளாளன் நிகரற்ற அன்பாளன் அல்லாஹ்வின் பெயரால் தொடங்குகிறேன்

Thai: ภาษาไทย; [King Fahad Quran Complex]

ภาษาไทย - ภาษาไทย : ด้วยพระนามของอัลลอฮฺ ผู้ทรงกรุณาปราณี ผู้ทรงเมตตาเสมอ

Uzbek: Мухаммад Содик; [Muhammad Sodik Muhammad Yusuf]

Uzbek - Мухаммад Содик : Меҳрибон ва раҳмли Аллоҳнинг номи билан бошлайман Аллоҳ таоло ўз китобини "бисмиллаҳ" билан бошлагани мусулмонларга ҳам ўрнак улар ҳам доим ўз сўзларини ва ишларини "бисмиллаҳ" билан бошламоқлари лозим Пайғамбар алайҳиссалом ҳадисларидан бирида "Эътиборли ҳар бир иш "бисмиллаҳ" билан бошланмас экан унинг охири кесикдир" деганлар Яъни баракаси бўлмайди охирига етмайди

Chinese: Ma Jian; [Ma Jian]

中国语文 - Ma Jian : 奉至仁至慈的真主之名

Malay: Basmeih; [Abdullah Muhammad Basmeih]

Melayu - Basmeih : Dengan nama Allah Yang Maha Pemurah lagi Maha Mengasihani

Somali: Abduh; [Mahmud Muhammad Abduh]

Somali - Abduh : Magaca Eebe yaan kubillaabaynaa ee Naxariis guud iyo mid gaaraba Naxariista

Hausa: Gumi; [Abubakar Mahmoud Gumi]

Hausa - Gumi : Da sũnan Allah Mai rahama Mai jin ƙai

Swahili: Al-Barwani; [Ali Muhsin Al-Barwani]

Swahili - Al-Barwani : KWA JINA LA MWENYEZI MUNGU MWINGI WA REHEMA MWENYE KUREHEMU

Albanian: Efendi Nahi; [Hasan Efendi Nahi]

Shqiptar - Efendi Nahi : Me emër të Allahut Mëshirues dhe Përdëllimtar i Madh

Tajik: Оятӣ; [AbdolMohammad Ayati]

tajeki - Оятӣ : Ба номи Худованди бахшояндаи меҳрубон!

Malayalam: കാരകുന്ന് & എളയാവൂര്; [Muhammad Karakunnu and Vanidas Elayavoor]

Malayalam - ശൈഖ് മുഹമ്മദ് കാരകുന്ന് : പരമകാരുണികനും ദയാപരനുമായ അല്ലാഹുവിന്റെ നാമത്തില്‍.